لم يتوقع مجد أنه سيتعرض لحادث خطير بينما كان يقود سيارته وهو بصحبة ولده بعد انتهاء الدوام المدرسي , وكان المتسبب بالحادث آنذاك شاب يقود دراجته النارية بتهور ورعونة من دون التقيد بالسرعة المطلوبة على الطريق لتكون نتيجة ذلك اصطداماً مباشراً بينهما نجا منه بأعجوبة، والسبب هو استهتار سائق الدراجة الذي كان يخترق السيارات على الطريق …
تضع الدول المتحضّرة الأمن المروري في سلّم أولوياتها، وذلك للحفاظ على حياة مواطنيها وتسهيل انتقالهم وتنظيم أوقاتهم، إذ أن أي خلل في احترام قوانين المرور، يعرّض المجتمع لخسائر قد تصل في بعض الأحيان إلى حدود الكوارث…
أما في بلدنا فإن المرور الآمن على الطرق أصبح يشكل هاجساً لدى جميع المواطنين، وباتت الحوادث اليومية تقلق الأهالي , فالبعض يستخدمها وسيلة للترفيه، والبعض الآخر كوسيلة لقطع الإشارات وتخطي الأرصفة، كما أنها مصدر خطر لدهس الأطفال عند استعراض سائقيها بالطرق الرئيسية , وعلى الأرصفة وفي الشوارع الفرعية , وامتدت إلى تعدي بعض الشباب على خصوصية الحدائق العامة كونها الملاذ الآمن للأولاد وقيادتهم لدراجاتهم ضمن حرمها في ظل غياب متابعة الأهل والجهات المعنية ..
وباتت هذه الظاهرة تؤرق مضاجع المواطنين نظراً لانتشارها بشكل واسع سواء في المدينة أو الريف ,وأصبحت تزرع الخوف والرعب في نفوس الصغار والكبار , وحديث السيدات اللواتي يحذرن بعضهن من الخطر الذي يداهمهن أثناء سيرهن في الشوارع بأن يقوم أحد سائقي الدراجات النارية باختطاف الحقيبة منهن أو قيام بعضهم بالتحرش بالفتيات ثم يهرب متوارياً عن الأنظار , كذلك القلق والتوتر عند عودة الطلاب من المدارس حيث يقوم سائقو تلك الدراجات باستعراض بعض الحركات البهلوانية و التعرض لهم ثم يلوذون بالفرار دون أن يراهم أحد .
وتؤكد الإحصاءات التي ترصد حوادث السير أرقاماً مخيفة في عدد الضحايا والمصابين، كلّها بسبب السرعة وعدم التقيد بإشارات المرور.. مما يتطلب التشدد في تطبيق القوانين وفرض العقوبات الرادعة …
ونظراً لخطورة هذه الظاهرة , قمنا بتسليط الضوء على آراء المواطنين , والإجراءات المتخذة من الجهات المعنية للحد من خطرها …
خطر حقيقي
علي حسن»موظف» قال : من المؤكد أن الجميع يدرك مدى خطورة قيادة الدراجة النارية بسرعة زائدة على المارة بسبب ما يقوم به الشباب المراهقون من استعراض وحركات يظنون أنها تلفت نظر الآخرين , وهي برأيهم تشكل عامل مساعد للتنفيس عن أنفسهم، ولكن بطريقة خاطئة وخطرة، وذلك لأن استخدامها يكون في الطرقات الرئيسية والأحياء والشوارع الفرعية الضيقة ، ما يسبب إزعاجاً للسكان وخطراً للشخص نفسه, حتى أصبحت مشكلة كبيرة تؤرق الجميع سواء المارة أو سكان الحي.
خلوها من وسائل السلامة
عبد الكريم «سائق تكسي » قال : نحاول قدر المستطاع عندما نرى هذا الكمّ من الدراجات النارية تجول بيننا في الشوارع، الابتعاد عنها لأنها تسبب خطراً على سلامة سائق الدراجة ومن يكون معه من جهة، وعلينا نحن السائقين من جهة أخرى، ونحن ندرك تماما أنه في حال وقوع حادث بين سيارة ودراجة نارية، فإن المتضرر الأكبر هو سائق الدراجة لأنه غير محمي, وقد رأيت أحد الحوادث عند تصادم تكسي مع دراجة نارية، توفي سائق الدراجة على إثرها مباشرة , وأحيل ملف القضية إلى المحكمة نتيجة خلاف سائق التكسي مع أهل المتوفي والتي استمرت لسنوات عديدة ، مع العلم أن المسؤولية تقع بشكل أساسي على سائق الدراجة.
وأضاف : أصبحنا نرى بعض سائقي الدراجات النارية يقومون باصطحاب عائلاتهم على الدراجة تخفيفا لنفقات التنقل المكلفة «برأيهم» وهذا السبب (الحاجة المادية) لا يبيح لهم اصطحاب عائلة بأكملها على الدراجة المخصصة أصلا لشخص واحد أو اثنين على الأكثر، فالعائلة ستكون حتماً بخطر عندما يركب ثلاثة أشخاص أو أكثر دراجة نارية، لا يتقيد سائقها في اغلب الأحيان بقوانين المرور.
تعاون الأهل
يقول أبو مصطفى : بعض الشباب يجدون متعة كبيرة في ركوب الدراجات النارية، ولكن لا يدركون خطورتها القائمة، فالجميع مستاء من التصرفات التي يقوم بها هؤلاء الشباب. لذلك أطالب الأهالي أن يدركوا خطورة ما يقوم به أبناءهم داخل الأحياء وفي الطرقات الرئيسية وعلى الأرصفة والتي من المفروض أنها للمارة ، فيجب أن يكون هناك أماكن خاصة وبعيدة لممارسة هذه الهواية الخطرة.
تهور ورعونة
ويضيف وائل الفهد «موظف» قائلا: لا يختلف اثنان على أن الدراجات النارية تشكل خطراً على سلامة الجميع سواء المشاة أو أصحاب الدراجات، فقد باتت المستشفيات تستقبل الكثير من الحالات الناجمة عن حوادث السقوط عن الدراجات أو دهس لأطفال كانوا في الطريق، فكثيراً ما نرى سائقي الدراجات النارية يقودون بتهور وينتقلون من مسار إلى مسار متجاوزين السيارات ونراهم يسابقونها غير منتبهين لمن حولهم ما يسبب الكثير من الحوادث التي لا تتوقف وتحدث في كل يوم حتى أصبحنا نخاف كثيرا على أطفالنا عند اضطرارنا إرسالهم لشراء بعض الحاجيات الضرورية أحيانا .. .
وفي الريف
يقول أيمن « أعشق ركوب الدراجات النارية وأعلم مدى خطورة قيادتها ، خاصة وأن بعض الشباب يقومون بقيادتها في الأماكن المزدحمة وبسرعات كبيرة مما يشكل خطرا سواء عليهم أو على سائقي السيارات، كونها تخلو من وسائل السلامة والأمان، و تعيق حركة المرور ، لذلك أفضل قيادة دراجتي النارية في المناطق البعيدة ، حيث استمتع كثيراً وأنا على علم بأنني لا أسبب الأذى للآخرين.
أما محسن «موظف»فقال : تعتبر الدراجات النارية من أكثر الهوايات التي تشد الكثير من الشباب هذه الأيام، على الرغم من أنها تمثل خطراً كبيراً عليهم، وذلك لعدم توافر عوامل الأمن والسلامة لقيادتها , وهذه الظاهرة باتت منتشرة في أحياء وشوارع المدينة وفي الريف ، خصوصاً في أيام العطل والمناسبات علما أنها في الريف تستخدم كوسيلة نقل بين القرى ولكن البعض يسيء استخدامها فيعرض حياته وحياة الآخرين للخطر …
حسب الأنظمة والقوانين
ناظم «مدرس» قال : إن قيادة الدراجة بسرعة كبيرة يؤدي في أغلب الأحيان إلى ارتكاب جرائم بحق الأطفال والنساء والفتيات سواء في المدارس أم الجامعات وهذه التصرفات المخلة بالآداب العامة إن لم تؤد إلى الجريمة ,فإنها بالتأكيد تشكل مصدر إزعاج ورعب للمارة وللمواطنين بشكل عام كون سائقيها الشباب يعملون في أغلب الأحيان على نزع كاتم الصوت وبالتالي تصبح هذه الوسيلة من أكثر وسائل النقل إزعاجا للمواطنين .
وأضاف : لكننا لا نستطيع إنكار أن الدراجة النارية تعتبر من وسائل النقل التي تحل الكثير من مشكلات التنقل لدى المواطنين وخاصة في الريف ,شرط أن تستعمل بشكل لائق وحسب الأنظمة والقوانين , لأن المسألة باتت تتعلق بأرواح الناس , و يضاف إلى ذلك الاستخدامات الخاطئة للدراجة النارية سواء القيام بحركات استعراضية وخاصة أمام المدارس من قبل بعض المراهقين أو استعمالها لأغراض أخرى .
الحفاظ على الراحة العامة
وبناء على تساؤل المواطنين المستمر عن مدى متابعة الجهات المعنية لظاهرة الدراجات النارية وإزعاجاتها المستمرة والى أي حد تم تطبيق تعميم وزارة الداخلية الخاص بقمع هذه الظاهرة على أرض الواقع علمت العروبة من مصادر لها في قيادة الشرطة بأنه يتم تسيير الكثير من الدوريات لمتابعة قيام سائقي الدراجات بقيادتها ضمن السرعات الخفيفة على الطرق مع ارتداء واقية الرأس « الخوذة» للسائقين والأشخاص المستخدمين لهذه الدراجات ,علما أن استخدام الدراجات النارية في الشوارع والمدن ممنوع , كما تقوم هذه الدوريات بحجز كافة الدراجات النارية المخالفة والتي تسبب الإزعاج للمواطنين وإقلاق الراحة العامة ,خاصة عندما يقوم أصحابها بإصدار أصوات مزعجة , كما يتم مصادرة الدراجات غير المسجلة لدى مديرية النقل…
ترخيص نظامي
سألنا المهندس خليل الخليل مدير مديرية النقل بحمص عن كيفية الترخيص للدراجة النارية فقال : إن معاملة ترخيص الدراجة النارية تشبه معاملة الترخيص لأي وسيلة نقل أخرى ويطلب لذلك شهادة منشأ من الشركة الصانعة وشهادة جمركية للمحرك مع وجود وكالة والفاتورة وأي دراجة تملك الثبوتيات اللازمة لايتم التدخل بحركة سيرها وإنما يرخص لها نظامياً بشرط أن يكون عمر السائق قد تجاوز / 18 / سنة وهي السن القانونية النظامية ويتم تنظيم عقد خاص بالدراجة وتعامل معاملة أي آلية أخرى , وأنه ومع ازدياد أعداد الدراجات النارية في المدينة والريف بشكل كبير يزيد عن طاقة استيعاب المدينة وشوارعها , على الجهات المعنية ملاحقة الدراجات النارية غير المرخصة خاصة مع ازدياد الحوادث بشكل كبير والتي أصبحت تشكل رعباً حقيقياً للأهالي كون الجميع معرض لأن يقع فريسة طيش الشباب المراهقين الذين يقودون تلك الدراجات وخاصة في الأحياء الشعبية والقيام بإصدار أصوات مزعجة في ساعات متأخرة من الليل مما يقلق راحة المواطنين .
محاضر نظامية
سألنا في مديرية جمارك حمص عن مصير الدراجات النارية القادمة إلى مديرية الجمارك وطريقة استلامها فعلمنا بأنه :يتم استلام الدراجات النارية عن طريق محضر ضبط نظامي تنظمه الجهة الحاجزة للدراجة بالإضافة إلى القيام بوصف فني للدراجة من قبل لجنة مختصة تقوم بالكشف على الآليات المحجوزة في أمانة حمص وبيان صلاحيتها وإمكانية الاستفادة منها
ونوه إلى أنه في حال احتاجت أي مؤسسة لعدد من الدراجات النارية تقوم بمراسلة وزارة المالية لأخذ الموافقة على عملية الشراء , وأن البيع يتم حصراً للقطاع العام موضحا أن :الدراجة المحجوزة تأخذ رقم حجز فقط ويتم تصنيفها مع باقي الآليات المحجوزة الأخرى وليس لها إحصائيات خاصة , ويقدر عدد المصادرات أسبوعيا ما بين 2-3 دراجات وقد تعمد أكثر الجهات الحاجزة إلى جمع المحجوزات لعدة أشهر ثم إرسالها إلى مديرية الجمارك وليس بالضرورة إرسالها يومياً ,لذلك من الصعب إحصاء عددها خلال الأشهر الماضية من العام بسهولة .
وأضاف :أغلب تلك الدراجات قد تعرض للحوادث وبالتالي للتحطم, وإذا ثبت بأنها مهربة يتم المصالحة عليها وتسويتها وإدراجها بجداول بعد إعطائها رقم حجز نظامي , أما إذا كانت نظامية يتم الإفراج عنها بعد تسجيلها لدى مديرية النقل بحمص ..
مصادرات بشكل يومي
أشار أحد عناصر المرور إلى أنه يتم مخالفة الدراجات داخل المدينة والسائق الذي لا يحمل إجازة سوق يتم توقيفه ويقدم للقضاء وذلك في حال كانت الدراجة مسجلة نظامياً في مديرية النقل تحجز لمدة شهر أما الدراجة المهربة فيتم تحويلها إلى مديرية الجمارك.
أما في الريف فيتم استخدامها كوسيلة نقل ويجب أن تكون الدراجة مسجلة نظامياً في مديرية النقل .
كما أن هناك بعض الدوائر التي تقتضي طبيعة عملها وجود بعض المراسلين الذين يستخدمون الدراجة النارية التي تحمل اللوحة النظامية والمسجلة نظامياً في مديرية النقل , بعد أن تقوم كل مديرية بمراسلة المحافظة وتقديم الطلبات للموافقة عليها وبالتنسيق مع قيادة الشرطة يتم السماح باستخدام تلك الدراجات مع تقيد سائقيها باللباس الخاص به .
روتين قاتل
ولمعرفة عدد المصادرات للدراجات النارية حاولنا لأكثر من أسبوع التواصل مع رئيس فرع المرور ليوافينا بالإحصائيات الدقيقة بعدد المخالفات لكن للأسف لم يرد على اتصالاتنا الهاتفية رغم توجيه قيادة الشرطة بضرورة التعاون مع الإعلام وتزويدهم بالمعلومات التي يريدون الحصول عليها , ولكن للأسف ما من مجيب !!!! .
إثبات الذات
المرشدة النفسية علا الأحمد قالت : إن التصرف المتهور والمندفع لبعض المراهقين هو انعكاس للعنف الذي يسود في مجتمعنا، فالبيئة المحيطة هي التي تكوّن شخصية الشاب, و»هذا الجيل» الذي يتعرض منذ نعومة أظفاره لكل أنواع العنف المرئي والمسموع «من خلال وسائل الإعلام والإنترنت والألعاب الإلكترونية والشارع»، ينمو متأثرا بكل ما يراه..
وأشارت بأن العنف طاقة داخلية عند المراهق تُفرَغ من خلال السلوك المتهور في كل شيء، و»الغَيرة» من مميزات عمر المراهقة، إذ يقلّد المراهق أترابه ليكون مثلهم فيدخل ضمن «المجموعة» ليكون جزءاً منهم ، فهو يشعر بالاغتراب النفسي في محيط آخر لا يقدّر رغبته. وترى الأحمد أن المراهق يبحث دائماً عن اللذة وكيفية إثبات رجولته أو نضجه وقد يتجسد ذلك في التعامل مع اللعبة والقيادة المتهورة والتشفيط، وإصدار الأصوات، وخصوصاً في الليل, والهدف من ذلك إثبات وجوده ولفت النظر إليه. وتضيف أن هذا العنف الداخلي يتجسد من خلال الألعاب العنيفة والقيادة السريعة وعدم الاهتمام بسلامة الآخرين, فعندما يتوحد المراهق مع لعبته، تصبح جزءاً منه، ويتعامل معها بقسوة كنوع من «فشة خلق» والتمرد على كل شيء حوله ..
بقي أن نقول :
إلى متى ستبقى هذه الحوادث تهدد حياة المواطنين ورهنًا لرعونة الشباب الطائش غير القادر على تحمل المسؤولية والإحساس بالآخرين وماذا عن الإجراءات الواجب اتخاذها من الجهات المعنية لتكون رادعاً ودافعاً للإحساس بأهمية حياة الناس وقيمتها ؟!نتمنى تعاون كافة الجهات المعنية للحفاظ على أمن واستقرار حياة المواطنين والحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة .
بشرى عنقة