ارتفاع الأسعار ينعكس سلباً على المواطن حالة التقشف حلت ضيفاً ثقيلاً على ذوي الدخل المحدود رغم توفر جميع السلع

اشتعال نيران موجة جنون الأسعار مؤخرا ووصول لهيبها إلى فضاءات الدولار أقلق جميع أبناء المجتمع ، إذ أن هذه الموجة الأخيرة من شأنها أن تؤثر على أصحاب الدخل المحدود .. وبالمجمل أصبحت السلوكيات المعيشية للمواطن مرتبطة قسرا بمقدار الدخل اليومي وتراقص الأسعار جعله يعقد مقاربات ومقارنات بين الاستهلاك وبين حالة التقشف التي حلت ضيفا ثقيلا على تلك الشريحة ، وحول هذا الواقع الذي يبدو مستعصيا، أجرت / العروبة / التحقيق التالي والعديد من اللقاءات..

في سوق ساحة الحاج عاطف التقينا المواطنة أم خالد وحدثتنا عن واقع اقتصادها المنزلي قائلة : جميع الناس لا يزالون ينتظرون من الجهات المعنية الإيفاء بوعودها في ضبط حركة الأسعار بل جنونها وخاصة بعد هذه الفورة التي لا يعرف لها سببا علما أن هذا الجنون بات يشكل معضلة وجائحة شبه مرضية يعاني منها أغلب الناس وهذا غير معروف ومعلوم النتائج للجهات المعنية مع ذلك ظلت الحلول العلاجية الشافية غير متوفرة ..
صحيح أن القوة الشرائية لليرة السورية شهدت تراجعا بسبب الحصار الاقتصادي فقد انخفض وسطي نصيب المواطن السوري اليومي من إجمالي الإنفاق ولعب التجار لعبتهم متجاهلين أننا في حرب ضروس لم تشهدها الإنسانية منذ أن وعت الحضارة قيمها الذاتية ..
المواطنة أم بطرس سألناها عن فورة الأسعار الأخيرة قالت : إن الحالة العامة لأغلب الناس هي ( على قد الحال ) بسبب ارتفاع أسعار جميع المواد الاستهلاكية وغير الاستهلاكية وهذا الوضع ليس مجهول السبب والمسببات فالحصار والعقوبات التي يتعرض لها وطننا أدى إلى ظهور هذه الفورة والتي أظنها مؤقتة..
صحيح أننا نحتاج في هذه الآونة إلى بذل المزيد من الجهد وإجراء انتقاء في أولوياتنا العامة وحتى الضرورية منها وهذا لا يحتاج إلى كبير عناء وإلى دراسات ولجان متخصصة لتدلنا على الطرق المثلى في معالجة هذه الفورة
المزيد من الأرباح
في سوق شارع الخضري التقينا المواطنة أم بشير حدثتنا قائلة : لقد شهدت حركة الأسعار منذ مطلع شهر حزيران جنونا غير مسبوق انعكس بتفاصيله الكبيرة والصغيرة على المواطن كون هذا الجنون أصاب جميع السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية وحتى الدواء ما دفع أغلب المواطنين لتوجيه انتقاداتهم لعناصر حماية المستهلك الذين لم يجدوا حلا للتخفيف من الأعباء على المواطن وللإنصاف نشير هنا إلى أنه رغم محدودية إمكانيات هذه العناصر فهي لا تدخر جهدا في محاولاتها الدؤوبة والمستمرة لضبط حركة الأسعار لكن دون الوصول إلى نتائج يحس بها المواطن ولاسيما إذا كان ينتمي إلى شريحة الدخل المحدود فعناصر حماية المستهلك لا تستطيع أن تجد حلولا سريعة لضبط حركة الأسعار كون السلع المعروضة في جميع الأسواق تم ربطها بسعر صرف الدولار والمدهش هنا أنه في حال تراجع سعره تبقى الأسعار على حالها في جنون يبدو أنه مفتعل وتقف وراءه حملة عنوانها الأساسي تحقيق المزيد من الأرباح ولو على حساب احتياجات المواطن الضرورية .
خالد الراشد قال : أنا أحمل شهادة جامعية منذ سنتين وأنتمي إلى أسرة متوسطة الدخل وتضم أربعة أفراد إضافة إلى أبي وأمي وأنا حاليا أعمل في محل لبيع الملابس براتب شهري قدره /20/ ألف ليرة سورية فكيف أستطيع تأمين مستقبلي علما أنني بعد عدة أشهر سألتحق بخدمة العلم ومع ذلك قبلت بهذا الراتب المتواضع فهو المتوفر.. هذا الواقع يدركه صاحب العمل لذا هو يستثمر حاجتي للعمل وهذا ينسحب على أغلب الشباب الذين يطلبون العمل عند القطاع الخاص..
الحجة ارتفاع سعر الصرف
خالد أبو عمر (عامل) قال : إن معظم من ينتمون إلى شريحة ذوي الدخل المحدود اليوم يعانون ضيق ذات اليد وخاصة بعد تلقي الأسعار مؤخرا فورة جديدة بذريعة ارتفاع سعر صرف الدولار والمدهش هنا أن المواد المنتجة محليا شملتها هذه الفورة كالمحاصيل الصيفية والألبان والأجبان ..و.. و.. فالأسعار متحركة صعودا والرواتب أرقامها جامدة وكأنها في ثبات .. لذا أنا مضطر للعمل أيا يكن هذا العمل وحاليا أعمل سائق تكسي بعد انتهاء دوامي ومع ذلك فلحافي الذي أضحى في هذه الظروف لا يغطي قدمي كيف سأمده ليغطي كامل جسدي ..؟
وأشار إلى أن الدولة تعمل جاهدة على تأمين الأساسيات الضرورية لمعيشة المواطن فهي تدعم الخبز والطبابة والتعليم وعدد من المواد ولكن هذا لا يكفي كون متطلبات الحياة توسعت دوائرها وكبرت أشجانها فكون رب الأسرة أب لثلاثة أولاد قد يفرض الواقع عليه أن يغامر بشراء فروجين وهي مغامرة خطيرة كون ذلك يشكل عجزا ماديا لأن السعر يتجاوز / 5/ آلاف ليرة سورية فهل هذا يعد اليوم من الكماليات ؟
أحمد سلمان « طالب جامعي «قال : أنا مضطر للعمل لأغطي مصروفي ونفقات المعيشة فأنا أستأجر غرفة بسعر /10/ آلاف ليرة سورية كوني من دمشق وأدرس في جامعة البعث وأهلي لا يستطيعون تزويدي بأكثر من /15/ ألف ليرة لذا أعمل في دوام مسائي لتغطية جزء من احتياجاتي المعيشية ومستقبلي غير معروف بسبب ضيق ذات اليد وقلة فرص العمل .
الغلاء شمل الطبابة أيضا
أبو أحمد راتبه لا يتجاوز /45/ ألف ليرة ولديها أربعة أولاد وجميعهم في عمر الدراسة من الابتدائي إلى الثانوي قال : إن دخلي ودخل زوجتي لا يلبي احتياجاتهم المعيشية أكثر من نصف الشهر ,علما أنني أعمل بعد الظهر في محل لبيع الشاورما , ومع ذلك تبقى الاحتياجات أكبر من المدخول هذا في الحالات العادية أما إذا دخل المرض إلى البيت, فالويل على المدخول كون الطبيب لا يهمه إلا أجرة المعاينة التي ارتفعت كما أسعار الدواء فكيف سيتم حل معادلة الأجور الثابتة مع الأسعار المتحركة ..؟.
لقد أصبح المصروف اليومي لأي عائلة يتجاوز في حدوده الدنيا / 1500/ ليرة يوميا هذا خاص بالمأكل فقط أضف إليها المنظفات والملبس وتأمين حاجات الأولاد وأجرة البيت إذن الاحتياج الشهري يزيد على / 185/ ألف ليرة فالعجز الشهري الحاصل يتراكم مشكلا واقعا يجب على الجهات المعنية معالجته فالواقع المعاش أضحى اليوم شبه مأساوي فسعر الدفتر على سبيل المثال لا الحصر /50/ ورقة يتجاوز / 110/ / ليرات فما رأيك..؟ وأنا أمني النفس كما أغلب ذوي الدخل المحدود بزيادة الرواتب التي طال انتظارها رغم كثرة الإشاعة حولها على مواقع التواصل الاجتماعي .
الحاجة أكبر من المدخول
أبو تمام معلم تنجيد سيارات تحدث عن معاناته في تأمين حاجات أسرته المؤلفة من ثلاثة أطفال قائلا : ضاقت بي الأحوال خلال سنوات الحرب وساعدني الأصدقاء لافتتاح « بسطة » أمام المنزل الذي أستأجره بـ /28/ ألف ليرة وأنا أعمل حوالي /12/ ساعة يوميا ومدخولي لا يغطي مصروفي ومع ذلك تبقى الحاجة أكبر من المدخول وحاليا أفكر بأن يعمل معي إبني بعد خروجه من المدرسة رغم أن ذلك سيؤثر على تحصليه العلمي ، لكني مضطر لأن أعمل في عمل آخر أيا كان هذا العمل لتقليص الفارق الحاصل بين الأجور والأسعار .
العيش باستقرار
الواقع المعيشي الجيد سينعكس بالضرورة إيجابا على السلوك الاجتماعي للأسرة / أي أسرة / ويحفزها على العيش بنوع من الاستقرار الاقتصادي الذي سيؤدي وبشكل حتمي للاستقرار النفسي لأفراد تلك الأسر .. الباحثة الاجتماعية حلا حمدان أشارت إلى أن الواقع المعيشي مهم جدا لإضفاء الراحة النفسية على جو الأسرة لكن ليس القصد هنا أن يكون مرتفعا بل على الأقل أن يغطي احتياجات الأسرة من مأكل وملبس وطبابة والاحتياجات الأخرى من غاز وكهرباء وهاتف , مشيرة إلى أن الواقع الحالي لمعظم الأسر السورية يظهر أن مدخولها لا يغطي نصف احتياجاتها الضرورية مقارنة بدخلها سواء أكان عند ذوي الدخل المحدود أم عند صغار الكسبة من عمال وحرفيين ,ما يجعل هذه الأسر تعيش حالة من الضغوط الاقتصادية التي تولد بطبيعة الحال ضغوطا نفسية على جميع أفراد الأسرة خاصة إذا لم يكن لديها من يرفدها بدخل إضافي كعمل الزوجة أو أحد الأبناء أو .. أو .. لافتة إلى أنه من شأن هذه الضغوط أن تؤثر وبشكل سلبي على العلاقات داخل الأسرة .
مسح استقصائي
فيروز خير بيك مديرة إحصاء حمص ذكرت أن المديرية تجري مسحا لحركة الأسعار في أسواق المحافظة مدينة وريفا ويتم إرسال البيانات الخاصة بهذا المسح والتي تتم بالجولات الميدانية إلى المكتب المركزي للإحصاء بدمشق ويهدف هذا المسح الاستقصائي للوقوف على حركة الأسعار التي شهدت في الآونة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا شمل حتى المحاصيل الزراعية وأجور اليد العاملة بشكل عام وقد ترافق هذا الارتفاع وبشكل مفاجئ مع انخفاض نسبي في أسعار وأجور المنازل .
في جولة / للعروبة / على أسواق المدينة تبين أن الأسعار طرأ عليها ارتفاعا كالمحاصيل الزراعية في حين شهدت أسعار اللحوم ارتفاعا ملحوظا ويسوق أصحاب المحال ذات الذريعة المستخدمة / ارتفاع سعر الصرف / وعند استفسارنا عن ذلك قال أحد أصحاب المحال الذي رفض الإفصاح عن اسمه : إن أجور النقل ارتفعت كما الأعلاف والأدوية وهذا سينعكس بطبيعة الحال على الأسعار المتداولة .. وهنا بادرناه بالقول : إن الارتفاع لم يقتصر على المداجن بل شمل حتى المحاصيل الزراعية عندها أجاب أن الأسمدة والأدوية قد تم استخدامها بسعر غير سعر اليوم أما الارتفاع فقد تم على أجور النقل واليد العاملة فقط وهذا ما بتنا نشهده على الارتفاع الطفيف على أسعار المحاصيل الزراعية .
رأي اقتصادي
د . خالد بحبوح – مدرس في كلية الاقتصاد (جامعة البعث) ونائب عميد الكلية قال : لابد لارتفاع الأسعار من أن ينعكس سلبا على المواطن السوري ، وبات ارتفاع الأسعار تلاحق المواطن أينما اتجه ، أيضا لارتفاع الأسعار تداعيات على المجتمع وعلى لقمة عيش المواطن الذي يعيش في هذا المجتمع
وأضاف : لقد ارتفعت أسعار كل الأشياء والمواد الضرورية والأساسية وغير الضرورية والجهات المعنية للأسف ومن خلال أجهزتها المختلفة لا تتدخل بشكل كبير وصريح ،وكما نلاحظ عندما نتجول في الأسواق أن سعر السلعة يختلف من محل لآخر والكل يبيع على هواه .
وأكد: أنه من الطبيعي أن يرتفع سعر الدولار طالما أن عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي لم تستعد عافيتها تماما وبالمقابل قوة أي عملة محلية تظهر من خلال قوة اقتصادها وبما أنه لا يوجد تصدير والاقتصاد لا يغطي الطلب المحلي ,فالمواطن لن يتلمس أي بادرة بارتفاع العملة المحلية وانخفاض الدولار ، أيضا – والكل يعلم – أن متطلبات الاقتصاد كبيرة وبحاجة لاستيرادها بالعملة الصعبة ( الدولار) ، ولا ننسى أن الدولة تعمل جاهدة لتنشيط حركة إعادة الإعمار وكلها بحاجة لدفع العملة والإنفاق ، كل هذا والمواطن يدور في حلقة مفرغة وهمه بات محصورا في تأمين لقمة العيش على أمل أن تهبط الأسعار أو يزداد الدخل .
ضبوط تموينية
أشار مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك رامي اليوسف إلى أن الجولات مستمرة على الأسواق لقمع كافة المخالفات وقد بلغ عدد الضبوط المنظمة منذ بداية العام لغاية 9-9-2019 /2902/ ضبطا وهي : – 291 ضبطا فيما يخص الخبز والدقيق ، منها 25 ضبطا بخصوص الاتجار بمادة الخبز التمويني وعدم تسليم كافة المخصصات . و20 ضبطا بخصوص الاتجار بالدقيق التمويني وعدم تصنيع كامل مخصصاته .و123 ضبطا خاصا بالخبز مخالفة نقص الوزن – سيء الصنع , 213 ضبطا فيما يخص المحروقات ، منها 53 ضبطا بخصوص الإتجار بالمحروقات ( مازوت ، بنزين ، غاز ) ، و15 ضبطا بمخالفة نقص الكيل ، و7 ضبوط بمخالفة القيود الرسمية 218, ضبطا فيما يخص الخضار والفواكه 170 ضبطا فيما يخص اللحوم,33 ضبطا فيما يخص الألبان والأجبان 56 ضبطا بالمواد المجهولة المصدر 64 ضبطا بالمواد منتهية الصلاحية ,وقد بلغ عدد العينات المسحوبة / 868 / عينة نتج عنها 394 عينة مطابقة للمواصفات و382 مخالفة للمواصفات و92 عينة قيد التحليل.
وأضاف : بلغت الإغلاقات /825 / إغلاقا إداريا و/ 45 / إغلاقا قضائيا , و/69 / إحالة موجود إلى القضاء المختص ..
وختم حديثه قائلا : على الرغم من الجهود التي تبذلها مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك لضبط الأسواق ومراقبة السلع والمواد من حيث السعر والجودة إلا أن هذه الجهود تبقى محدودة التأثير وتتطلب لتكون فاعلة ومؤثرة تعاون المواطنين وتقديم الشكاوى عن أي حالة غش أو رفع للأسعار.
تدخل ايجابي
عماد ندور مدير السورية للتجارة في حمص قال :أسعار المواد الموجودة في جميع صالات السورية للتجارة لم يطرأ عليها أي زيادة ،فقد حافظنا على أسعارنا في ظل هذا التخبط الكبير الذي شهدته الأسواق والتقلبات المتأرجحة التي شهدتها أسعار المواد والسلع وما زالت السورية للتجارة تقف إلى جانب المواطن وتدعمه .
ونوه :إلى أن كافةاحتياجات المواطن ما زالت موجودة دون نقص وقد دعمنا صالاتنا بشكل كبير بالمواد الضرورية للمواطن وخاصة المواد الاستهلاكية والقرطاسية وهي متوفرة وبشكل مباشر دون زيادة في أسعارها وخاصة مادة السكر التي حافظنا على سعرها وكميتها ..
وأكد أنه تم افتتاح فرع جديد في ثماني صالات تابعة للسورية يشمل بيع مادة اللحوم (لحم عجل –وفروج )الطازجة وبأسعار تقل عن أسعارها في السوق وذلك تحت إشراف أطباء بيطريين وهي موضبة ومغلفة بشكل أنيق وجيد وقد وضعت عليها بطاقة تعريف (بيان )تدل على المصدر ونوعية البضاعة وسعرها .
بقي أن نقول :
إن حركة الأسعار واستعار نيرانها لتشمل جميع المواد الاستهلاكية وغير الاستهلاكية يفرض على الجهات المعنية إعادة النظر بواقع معيشة المواطن حيث بات من الملح لدرجة الضرورة إيجاد حلول لمعادلات الأجور والأسعار كونها تعد من الأولويات الاقتصادية وهيكل قياسي يستند عليها في مقاييس التنمية المجتمعية ..
منار الناعمة – بسام عمران
تصوير : الحوراني

المزيد...
آخر الأخبار