أسعار جنونية تطال الألبسة والأحذية في أسواقنا مع بدء موسم الشتاء.. التسوق «للفرجة» والأسعار تفوق قدرة المواطنين الشرائية
تشهد محال بيع الملابس الشتوية ارتفاعات كبيرة في أسعار بضائعها، حيث تراوحت نسبة زيادة الأسعار خلال هذه الفترة من العام الحالي، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي ، ما بين 100-200% بالحد الأدنى , الأمر الذي يعني أن شراء ملابس لأسرة مكونة من خمسة أفراد لن تقل تكلفتها اليوم عن 80 – 100 ألف ليرة، أي ما يعادل وسطياً راتب موظف حوالي ثلاثة أشهر تقريبا ..
وبالنظر إلى واقع أسواق الألبسة نلاحظ أن الأسعار الموجودة في تلك الأسواق، لا تختلف بين سوق وآخر، إذ تتشابه جميعاً في ارتفاع أسعار معروضاتها وقلة المتسوقين ,و ارتباطها بارتفاع أو انخفاض سعر صرف الدولار والذي لطالما ربط تجار السوق ارتفاع الأسعار لكل المواد بارتفاع سعر الصرف … وما تشهده الأسواق تسعيراً «إلى حد ما «عشوائياً يختلف من محل لآخر تبعاً لمزاج التجار.
التسوق للفرجة
في جولة على محال الألبسة في بعض أحياء المدينة ، تبين أن معظم أسعار الألبسة شهدت ارتفاعات كبيرة، بغض النظر عن الجودة، مع عدم وجود التنوع في العرض وقلة في الطلب من قبل المستهلكين وجمود في حركة البيع والشراء، فمعظم الطلب يتركز على الألبسة ذات الأسعار المنخفضة التي أصبحت نادرة جداً ضمن الأسواق.
سعاد «ربة منزل » تقول : الأسعار كاوية في ظل راتب محدود لا يكفي أحياناً شراء قطعة واحدة من الألبسة عند البحث عن الجودة، لذا أقوم بالبحث في الكثير من المحال حتى أستطيع شراء قطعة حتى ولو كنت راغبة بشراء أكثر لكن العين بصيرة واليد قصيرة ، وأحاول أن تكون في فترة التسوق في أيام الشهر الأولى أو ضمن فترة التنزيلات ..
أم تيسير «ربة منزل » تحدثنا إليها وهي برفقة ابنتها أمام محل لبيع الألبسة النسائية والذي يعرض البضاعة مع تسعيرتها، وسألناها عن أسعار الألبسة المعروضة، فأكدت أنها غير متناسبة مع دخل زوجها الذي يعمل في محل لبيع الألبان ، وهي تعتمد على خبرتها في انتقاء المناسب و النوعية الجيدة لتبقى وقتاً أطول، علماً أنها تعمد كل فترة إلى شراء قطعة لأحد أولادها بغية كسوتهم على نحو جيد وخاصة الذين يدرسون منهم في الجامعة، مشيرة أنها تحتاج ما يزيد عن 100 ألف ليرة شهريا مصاريف معيشة بالحد الأدنى ..
أمام أحد محال الألبسة رأينا شابة تقف متفرجة على الملابس المعروضة في الواجهة سألناها عن الأسعار فقالت : هي مقبولة لمن راتبه فوق 60 ألفاً وليس لمن لايزال يتقاضى 20 – 30 ألفاً فقط، وأضافت : أين دور مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ضبط المخالفات الكبيرة في سعر الألبسة حتى صارت من الكماليات للكثيرين , وأصبحنا لا نشتري إلا في موسم التنزيلات والأعياد ..
أما السيدة سماهر فأشارت إلى أنها لا تشتري إلا حاجتها من الثياب هي وعائلتها ، وتعتمد على محال بيع الألبسة المستعملة «البالة» في كسوة أولادها,خاصة في ظل انخفاض جودة الجديد وارتفاع سعره.
أسامة «صيدلاني » قال : يعمد التجار لخلق الكثير من الحجج لتبرير ارتفاع الأسعار، وخاصة فيما يتعلق بارتباط الأسعار بسعر الصرف، وأن تكاليف الإنتاج مرتفعة جدّاً، بالإضافة لأجور النقل والعمالة ونقص المعروض المحلي وغيرها من الحجج، وإن كان هذا الكلام صحيحا ، فهو لا يمكن أن يكون السبب وراء تضاعف الأسعار لثلاث أو أربع مرات، وذلك في ظل عدم اتخاذ الجهات المعنية الإجراءات المناسبة تجاه تجار السوق الذين يتلاعبون بأسعار الملبوسات، ولماذا لا يكون هناك نوع من التدخل الإيجابي لمؤسسة السورية للتجارة من خلال تزويد صالاتها بألبسة شتوية تباع للمواطنين بسعر يقل عن سعر السوق .
وأضاف : أما بالنسبة للأسعار فهي كاوية …فسعر بنطال الجينز يتراوح ما بين 6-9 آلاف ليرة، وسعر الجاكيت في أحد محال شارع الحضارة مثلا 24 ألف ليرة « واستطرد قائلا : يبدو أن هذه الأسعار للأغنياء فقط « ، كذلك سعر جاكيت الجوخ الرجالية لا يقل عن 20000 ليرة سورية. ..
أم قصي قالت : حتى في محال الأحياء الشعبية الأسعار كاوية حيث بلغت أسعار القمصان الشتوية وكنزات الصوف ما بين 4000-6000 ليرة، والبيجامات الشتوية تراوح سعرها ما بين 5000-12000 ليرة.
أما الألبسة النسائية فحدّث ولا حرج فالبيجامة الشتوية النسائية أصبح سعرها 10000 آلاف ليرة، وهناك أنواع أقل سعراً يصل إلى 6000 ليرة، وبلغ سعر الكنزة القطنية النسائية نحو 4000 آلاف ليرة، في حين كان سعرها سابقاً نحو 2000 ليرة لا أكثر، أما أسعار الأحذية فهي صادمة فالحذاء النسائي يبدأ من سعر 8000 ـ 18000 ليرة ..
ألبسة الأطفال مرتفعة
إذا كان كبار السن بإمكانهم الاستغناء عن شراء الملابس الجديدة وإيجاد بدائل لها، فالحال ليس كذلك في ما يتعلق بألبسة الأطفال، فنمو الطفل من عام لآخر وتغير مقاس لباسه، وتأثره الشديد بالبرد يحتم على الأبوين شراء ملابس شتوية جديدة.. معتز « صاحب محل ألبسة أطفال قال : الطلب على الملابس الشتوية اليوم يكاد يقتصر على ملابس الأطفال فقط ، وهذا ما جعل أسعارها ترتفع بمعدلات عالية، فالطقم الولادي الذي كان يباع العام الماضي 5000 ليرة، يتجاوز سعره اليوم 8000 ليرة، وسعر البنطال الولادي تجاوز 4000 ليرة، أما سعر الجاكيت الولادي فوصل لحدود 8000 ليرة، والكنزة الصوف ما بين 3000 – 5500ليرة حسب نوعها, وسعر الجوارب الولادية ما بين 150 – 200 ليرة، علما أن الأسعار تختلف تبعا للمحل التجاري، ونوعية القطعة، وحسب مكان السوق أيضاً.
أشار أحد الباعة إلى ضعف حركة البيع بسبب ارتفاع الأسعار، فمعظم الزائرين لمحال الألبسة يقومون بالاستفسار عن الأسعار فقط، ونسبة قليلة جداً تقوم بالشراء ..
قلة في الإنتاج وارتفاع في الأسعار
أحد التجار قال : سبب ارتفاع أسعار الألبسة الشتوية يعود لارتفاع مستلزمات الإنتاج، وخاصة الخيوط التي ارتفعت بنسب عالية مع ارتفاع تكاليف الشحن ونقل البضائع، والاعتماد على الاستيراد بالنسبة للأقمشة، بعد تضرر معامل الغزل والنسيج المحلية، إضافة إلى خروج العديد من المعامل الخاصة بصناعة الألبسة عن الإنتاج ، مما أدى إلى ضعف العرض في أسواق الجملة، وتحكم بعض التجار بالأسعار، لأن البضائع أصبحت قليلة من حيث التشكيلة أو النوعية أو تدرج الأسعار, وبالطبع فإن فرق الأسعار في الألبسة يعود لبائع المفرق ومدى تكبده لتكاليف الحصول على البضائع.
أسواق بديلة
وكان لارتفاع أسعار الألبسة في المحال التجارية تأثير بالغ على الأسواق الشعبية وأسواق البالة، التي شهدت إقبالاً ملموساً من المستهلكين، إلا أن هذه الأسواق أيضاً قامت برفع أسعارها ، فالقطعة التي كانت تباع على (البسطة) أو في سوق البالة بـ500 ليرة أصبحت 3000 ليرة مع تدني جودتها في أكثر الأحيان ، ولكن، كما يقال، يبقى الكحل أفضل من العمى، في تلبية الاحتياجات، فأسعار الألبسة في تلك الأسواق تبقى أخف وطأة على المستهلك من أسعارها في المحال التجارية.
صاحب محل بالة قال : نسبة كبيرة من رواد الأسواق يأتون لرؤية المعروضات دون الشراء بسبب غلاء الأسعار التي تدفع بالمواطنين، ، إلى اللجوء للأسواق البديلة كالبالة والبسطات التي تفترش بعض أرصفة بعض الأحياء والأسواق الشعبية نظراً لرخص أسعارها مقارنة مع أسعار بقية الأسواق ، بعد أن أدت الحرب إلى غياب الكثير من الأسواق الشعبية التي كانت تختص بعروض ملابس تلائم شريحة المواطنين ذوي الدخل المحدود …. فعلى الرغم من ارتفاع أسعار البالة بمعدل وسطي 300% إلا أنها تبقى أرخص من المنتج المحلي، علماً أن تجارة البالة مازالت غير مرخصة لأسباب صحية ولحماية الصناعة المحلية على حد قول الجهات المعنية فلماذا لا يتم ضبط الأسعار أو السماح باستيرادها بشكل نظامي ، كونها أصبحت تعتبر ملجأ يلبي جزءاً مهماً من طلب المواطنين بمختلف شرائحهم ..
وأشار إلى أن الأسعار مقبولة لديه قياسا لمحال الألبسة الجديدة فسعر الجاكيت «أنوراك» يتراوح ما بين 4000 – 8000 ليرة بينما في المحال الجديدة 12 – 18 ألف ليرة ، والكنزة العادية أو«الموهير» فأسعارها ما بين 1800 – 3000 ليرة بينما في المحال الجديدة 5000 – 8000 ليرة والبنطلون ما بين 2500 – 3000 ليرة وسعره في المحال الجديدة 8 – 10 آلاف ، وبذلك تبقى أسعار محال البالة رغم ارتفاعها أرحم للمستهلك من أسعار المحال الجديدة …
سحب عينات
مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك رامي اليوسف قال : تقوم عناصر المديرية بجولات دورية على الأسواق وهذه الجولات لا تقتصر على محال الألبسة بل تشمل جميع المواد ومنها الألبسة والأحذية , ويتم التأكد خلال تلك الجولات من تقيد البائع بالإعلان عن السعر أو الالتزام بالتسعيرة وجودة المنتج , كما يتم سحب عينات في حال وجود شكاوى من المواطنين للتأكد من مصدر المنتج وجودته .. مشيرا إلى أن جولات عناصر حماية المستهلك بدأت على محال الألبسة منذ 15/9 من العام الجاري , موضحا أنه تم تنظيم 26 ضبطا تموينيا بما يخص الألبسة تتضمن عدم الإعلان عن السعر وعدم إبراز فاتورة و8 ضبوط فيما يخص الأحذية .. كما تم سحب 5 عينات عشوائية لمعرفة مصدر المنتج وجودته حيث تبين وجود عينة مخالفة وأربعة قيد التحليل , منوها أنه في حال ثبوت المخالفة يطلب من المعمل صاحب المنتج الموجود الفواتير النظامية , وفي حال كان مصدر المنتج معمل في محافظة أخرى يتم مراسلة مديرية حماية المستهلك هناك لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالف والتي قد تصل إلى دفع غرامات مالية كبيرة أو إغلاق المحل ..
ارتفاع سعر المواد الأولية
بسام العبد عضو مجلس إدارة غرفة صناعة حمص رئيس قطاع النسيج قال : أثر ارتفاع سعر صرف الدولار على المواد الأولية المستوردة , إضافة إلى أن الإنتاج الداخلي كان قليلاً خلال العام الماضي وأسعار مواده الأولية المستوردة مرتفعة مما ساهم في زيادة أسعار إنتاج الألبسة .. منوها أن الموسم الشتوي الماضي كان سيئا نتيجة ضعف القدرة الشرائية ,خاصة مع اعتدال الطقس وانحسار البرد , إضافة لاعتماد التجار على المواطنين من ذوي الدخل المحدود في تحريك السوق لكن الظروف المعيشية الصعبة حالت دون ذلك ..
وأضاف : كما قام التجار بالاكتفاء بضخ كميات محدودة من البضائع خاصة مع ازدياد النفقات العامة من أجور نقل وفواتير الكهرباء والمياه المرتفعة وغلاء سعر مادة المازوت والتي وصل سعر الليتر إلى 300 ليرة , مما انعكس على الأسعار وأدى لارتفاعها بشكل كبير , وهذا ما جعل الكثير من المواطنين يكتفون بفترة التنزيلات أو مناسبات الأعياد لشراء ما يحتاجونه من ملابس ..
أخيرا
إن الحرب التي عاشتها بلدنا منذ 8 سنوات حملت نتائج كارثية على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني ولم يسلم من نارها قطاع الصناعات النسيجية الذي مني بخسائر كبيرة مما يحتاج إلى تضافر الجهود من الجميع لإعادة الحياة لهذا القطاع وعودة الثقة بالمنتج المحلي وجودته ، وبرأي الكثير من المواطنين أنه من الحلول التي تساعد على الحد من غلاء أسعار الألبسة قيام مؤسسة السورية للتجارة بالتدخل الإيجابي من خلال استيرادها الألبسة مباشرة من دون وسيط، فحينما تحصل منافسة في العرض تنخفض الأسعار حتماً ولا يتحكم في سوقها التجار فقط …
بشرى عنقة
تصوير : الحوراني