بمجرد صدور مرسوم زيادة رواتب العاملين في سورية، بدأت تتفاعل آراء المواطنين حول القيمة الشرائية التي تحملها الزيادة، فمنهم من اعتبرها جيدة وستساهم في تحسين مستوى المعيشة، وآخرون اعتبروا أن المشكلة الحقيقية تكمن في انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية بشكل عام، لذلك فضلوا التركيز على ضبط الأسعار وزيادة الإنتاج.
وبجولة لرصد الأسعار في الأسواق ، لمعرفة القيمة الشرائية “التقديرية” التي تحملها الزيادة على الدخل والتي بلغت 20 ألف ليرة سورية، بحسب المرسوم التشريعي رقم 23 لعام 2019.
يرى المتتبع ومن خلال التمعن البسيط بالأسعار ومقارنتها بالزيادة التي طبقت على دخل العاملين (20 ألف ليرة سورية) أن هذه الزيادة موجهة وتستهدف المواد الغذائية الأساسية والرئيسية، القليلة الثمن، أي أنها تستهدف السلة الغذائية للأسرة السورية ولا تستهدف الألبسة أو الترفيه أو غيرها.
ورغم أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك دعت مديرياتها إلى التحقق من تقيد أصحاب الفعاليات التجارية بالأسعار المحددة أصولاً والتأكد من التزامها بالأسس والقرارات الناظمة للأسعار الصادرة عن الوزارة وتداول الفواتير النظامية بين حلقات الوساطة التجارية ومتابعة حركة البيع والشراء في الأسواق واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين وفق أحكام القانون رقم 14 لعام 2015.
إلا أنه لم تمض 24 ساعة على خبر زيادة الرواتب حتى ارتفعت خلالها أسعار المواد والسلع الغذائية وغيرها أكثر من 30%، ولكن حتى لا يقال إن الوزارة اكتفت بالتهديد والوعيد فقط، انطلقت من خلال مديرياتها تحث المواطن على الإدلاء بشكواه في حال وجد مخالفة محملة المسؤولية له في ارتفاع الأسعار بعبارات :” لا تلم التاجر في حال رفع سعره ولا حتى المسؤول “ ولا تترك حقك ولا تقل «ما بيردوا» جرب واتصل بحماية المستهلك ولا تساهم في ارتفاع الأسعار”.
ارتفاع ملحوظ
حجة ارتفاع الدولار شماعة علق عليها التجار جشعهم واستغلوها في رفع أسعارهم -كما يقول المواطنون- فبحسب جولة في الأسواق ارتفعت أسعار جميع الخضار والفواكه بعد ارتفاع سعر الدولار ، وكأن التاجر يريد أن يقول للمواطن : « لا تتحجج هي رفعوا الرواتب » .
مفارقة واضحة
مواطنون استنكروا الزيادة غير المبررة للأسعار وطالبوا وزارة التجارة الداخلية بضبط فلتان الأسواق مستهزئين بالنشرات التموينية الصادرة بشكل شبه يومي.. مفارقة تدعو إلى التعجب والتساؤل، ما الفائدة يا ترى من إصدارها والتجار قد ضربوا بها عرض الحائط وسعّروا وفق أهوائهم الشخصية؟
الزيادة وغلاء الأسعار
إياد العيسى – موظف يشكو من عدم وجود لائحة موحدة للأسعار وخاصة المواد التموينية والمطاعم بشكل عام الفروج المشوي – شاورما – فلافل – حمص- مناقيش/ حيث كل محل تجاري أو مطعم يضع تسعيرة على هواه دون وجود رقيب أو حسيب ، وأضاف: أن أسعار المواد التموينية كالزيوت والسمون والحبوب والمعلبات ارتفعت بشكل جنوني قبل الزيادة وبعدها حلقت عالياً مما أفقدت زيادة الرواتب بهجتها وقيمتها قبل أن يراها المواطن ، وطالب مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتشديد الرقابة فعلياً على المحال عموماً وتجار الجملة خصوصاً كونهم مصدر التلاعب الأساسي بالأسعار ونشر أسعار المواد والمأكولات على الصفحة الرسمية لمديرية التجارة الداخلية إضافة لنشرة مختومة توزع على التجار والمطاعم لتوحيد الأسعار .
مازن سليمان – أعمال حرة قال : يبدو أن الأمر خارج عن السيطرة تماماً فلا حسيب ولا رقيب فما مبرر أن دوريات مديرية التجارة الداخلية التي تجول على المحال التجارية ،تزور المحال وتنظم الضبوط بحق المخالفين والأسعار تزداد ؟ وكيف بين عشية وضحاها ازداد سعر ليتر الزيت /300/ ليرة سورية من /650 إلى 950/ ، وأضاف قبل زيادة الرواتب كانت الأسعار ترتفع وبشكل طفيف يومياً ولكن بعد الزيادة ارتفعت بشكل كبير فإذا استطاع الموظف تغطية هذه الارتفاعات السعرية من زيادة الراتب فالمواطن الذي لا يملك وظيفة من أين سيغطي هذه الزيادة في الأسعار ؟!
تجار يعملون كالمنشار ..
باسل الضاهر – موظف قال : إن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل يدعو للحيرة والاستغراب ودائماً حجة التجار هو ارتفاع سعر الصرف ولكن ما تأثير ارتفاع سعر الصرف على هذا التاجر وكيف رفع الأسعار لبضاعته وهي مازالت في المستودعات ولم يستجر أي بضاعة بموجب سعر الصرف الجديد ؟ وأضاف يبدو أن التجار لم ترق لهم زيادة الرواتب للموظفين فقرروا حرمانهم من فرحتهم بمكرمة السيد الرئيس ورفعوا الأسعار بشكل جنوني أعاد الأمور إلى ما قبل نقطة الصفر مبيناً حاجة الرواتب لزيادة ضعف الزيادة الأخيرة لتغطية الفروقات في الأسعار وهذا الأمر مستحيل ، ولابد من قيام الجهات الرقابية بتكثيف دورياتها على المحال التجارية ووضع حد لجشع التجار وطمعهم .
المواطنة مرام – ربة منزل قالت : الأسعار ارتفعت بشكل جنوني والكل يتحجج بارتفاع سعر الدولار وعندما يهبط سعر الدولار لا يقوم التجار بخفض الأسعار فالقصة ليست مرتبطة بسعر الصرف وإنما في الجشع والطمع والرغبة بالربح السريع والثراء الفاحش دون أن يحكم التجار ضمائرهم وينظروا لأوضاع الناس الذين باتوا يعانون الأمرين من ارتفاع الأسعار، وزيادة الرواتب الأخيرة يبدو أنها تلاشت في ظل هذا الغلاء وأرجو من كل مواطن أن يقدم شكوى بحق التاجر الذي يرفع السعر دون مبرر ،وأن تعمل الجهات الرقابية بضمير حي لقمع المخالفات وكبح طمع التجار الجشعين ليكونوا عبرة لغيرهم من أصحاب الضمائر النائمة الذين ينعمون بالثراء الفاحش على حساب قوت المواطن المسكين .
المواطنة – ريم قالت : أنا لا عمل لدي وزوجي موظف ولدينا 5 أولاد وبطبيعة الحال مصروفنا كبير جداً قياسا لراتب زوجي البسيط مما دفعه للقيام بعمل آخر بعد دوامه ومع ذلك بقي الفرق ما بين مدخولنا ومصروفنا كبير جداً فأقل عائلة تحتاج مصروف شهري /200/ ألف على الأقل في حين أن راتب زوجي وأجر عمله الثاني لا يتجاوز /100/ ألف أي نصف الحاجة وهذا ما شكل عبئاً ثقيلاً على كاهله وتراكمت الديون عليه ومع مكرمة السيد الرئيس الأخيرة بزيادة الرواتب تفاءلنا خيراً ولكن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الكبير أصابنا بالإحباط فكل المواد التموينية الأساسية ارتفع سعرها والخضار واللحوم كذلك ولن أتحدث عن الفواكه التي لا تدخل بيتنا إلا بكميات قليلة .
زياد القاسم – خريج تجارة واقتصاد قال : مع الزيادة الأخيرة ستصل الضريبة إلى أعلى شريحة (22%) وحجم الاقتطاعات 13600 ل.س، وبالتالي لن يتجاوز مقدار الزيادة الصافية 13000 ل.س، والذين سيشعرون بأهمية الزيادة هم ذوي الدخول المنخفضة والتي تبلغ الزيادة في رواتبهم الصافية بحدود 50% .
أهمية توقيت الزيادة ..
حول أهمية زيادة الرواتب الأخيرة قال د. شادي – اقتصادي : الزيادة مهمة ولها دلالات كبيرة من حيث التوقيت والطريقة ، فتوقيت الزيادة هام، ففي الوقت الذي تداعى فيه سعر الصرف وزادت الهوة بين الرواتب وبين الأسعار في الأسواق ، جاءت الزيادة لردم الهوة .
وأضاف : إن هيكل الراتب يستهلك منه 80 % للغذاء، وتأتي هذه الزيادة لتخفف النسبة من 80 % إلى 30 % وبالتالي تخف نسبة الفاتورة الغذائية من نسبة الهيكل وتزيد قوة المواطن الشرائية.
وتابع: لم تتم الزيادة بنسبة مئوية بل زادت ككتلة وهذا يساعد الفئات ذات الدخل الأدنى، وهذه المرة تم الأمر بالعدالة والمساواة بحيث وزعت هذه الكتلة النقدية بشكل متساوٍ بين الفئات مما يحقق نوعا من العدالة.
ستؤدي الزيادة إلى تحريك السوق المحلية وزيادة الاستهلاك بسبب الحاجات المستمرة للمواطنين، وهذا سينعكس على الشرائح التي لا تحصل على راتب من الدولة مباشرة لأن هذا الأمر سينعكس على الحرفيين والمهنيين والشركات الكبيرة وسيزيد الدخل لديها وهذا سيمكنها من توظيف هذه الوفورات في زيادة الرواتب لموظفي القطاع الخاص.
زياد – صاحب محل قال : لسنا السبب بارتفاع الأسعار كأصحاب محال بيع مفرق وإنما التجار الكبار الذين يبيعون بالجملة حيث أن الجميع يعلم أننا نبيع بأرباح قليلة ولكن نعتمد على كثافة البيع وعندما نستجر بضاعتنا بثمن مرتفع لابد من بيعها بسعر مرتفع وهذا الأمر ينعكس على المواطن حكماً وبالفعل الأسعار ارتفعت بشكل كبير خلال فترة قصيرة ويعيد تجار الجملة والشركات الأمر إلى ارتفاع سعر الدولار مع العلم أن البضائع مكدسة في مستودعاتهم .
السورية للتجارة ..حماية للمواطن
المهندس عماد ندور – مدير فرع السورية للتجارة بحمص بين أن المؤسسة السورية للتجارة وحرصاً منها على التدخل الايجابي في السوق بما يناسب قدرة المواطن الشرائية ومكافحة موجة غلاء الأسعار الأخيرة التي تجتاح السوق قامت بطرح تشكيلات كبيرة وواسعة من المواد الغذائية واللحوم والفروج بأسعار تنافسية تقل عن سعر السوق حالياً بنسبة تتراوح ما بين /35-40%/ وتعمل الإدارة العامة على دعم صالات السورية للتجارة في المحافظات كافة من خلال تزويدها بأنواع إضافية من المواد الغذائية والتموينية كالخضار والفواكه واللحوم والأسماك والزيوت والسمون ومواد التنظيف والسكر ذات النوعية الجيدة والأسعار المنافسة التي تناسب قدرة المواطن الشرائية كنوع من زيادة تدخلها الايجابي في السوق المحلية بما يحقق مصلحة المواطن ويخفف من الأعباء المادية عليه .
وأكد ندور : في ظل الارتفاع الكبير للأسعار لم يطرأ ارتفاع على أي سلعة معروضة ضمن صالات المؤسسة منذ ارتفاع الدولار وإلى اليوم فالمؤسسة ملتزمة بنشرة الأسعار الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ، لا بل ممنوع منعاً باتاً بيعها بأسعار أعلى من النشرة التموينية وإنما من الممكن أن تكسر أسعار النشرة أحياناً وتخفض هامش ربحها في حال أرادت التدخل الايجابي في السوق فالهدف من تأسيسها يستدعي ذلك .
وأضاف: أسعارنا لا تتعلق بالدولار ولا نحسب قيمة السلع عليه إطلاقا فالمؤسسة لا تهدف إلى الربح في النهاية وإنما هدفها التدخل الايجابي في السوق مستبعداً أن يرتفع سعر أي مادة في الصالات مهما ارتفع سعر الدولار، مشيراً إلى دورها المهم في ضبط السوق أكثر حتى من دوريات حماية المستهلك نفسها من خلال كسر أسعارها والتزامها بأسعار النشرة التموينية فهناك الكثير من التجار الذين يقصدون صالات المؤسسة لمعرفة أسعارها البيع بأسعار تكسر الأسعار المعروضة فيها بهدف المنافسة ، ونحن كمؤسسة نكون سعداء بذلك فمصلحتنا في النهاية هي المواطن.
تخضع للرقابة..
وأكد على جودة المواد المعروضة في المؤسسة السورية فلا توجد مادة فيها إلا ويتم تحليلها في المخابر التموينية قبل عرضها ضمن الصالة كما أن المؤسسة ملتزمة بنشرة الأسعار الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ، ورغم ذلك تقوم الدوريات بمراقبة أسعار المواد وجودتها وتحليلها أول بأول، فمن المخالف وجود مادة من دون شرح مواصفاتها ، داعياً المواطن إلى المسارعة بتقديم الشكوى في حال وجودها ليتم أخذها في الحسبان ومعالجتها فوراً.
مقارنة بسيطة ..
وبمقارنة بسيطة بين أسعار المواد الأساسية في صالات السورية للتجارة وبين أسعارها عند تجار المفرق أكد أن سعر السكر في الصالات يصل إلى 230 ليرة بينما يباع خارجها بـ375 ليرة أي بفارق لا يقل عن 100 ليرة، وتباع علبة “ الطون “ بسعر 450 ليرة ضمن الصالة بينما تجدها في السوق بأكثر من 500 ليرة، كما تتوفر اللحوم في الصالات بسعر أرخص مما هي عليه في السوق بـ2000 ليرة ، فمثلاً سعر كيلو الغنم في الصالات 5200 يباع خارجها بأكثر من 7 آلاف ليرة ويصل سعر كيلو العجل داخل الصالة بـ4800 ليرة بينما يباع في السوق بأكثر من 5 آلاف ليرة مؤكداً بيع كميات كبيرة من اللحوم ضمن الصالات ، ليس فقط السكر والطون واللحوم، حتى المواد المنزلية متوفرة في الصالة (زجاج، طناجر، صحون) بأسعار مخفضة.
وتطرق لدور المؤسسة في التخفيف من الضغط على الغاز من خلال التوزيع بالسيارات الجوالة التابعة للمؤسسة .
وعن موجة غلاء الأسعار الحالية أشار ندور إلى أنها غير مبررة وهي نتيجة طمع وجشع التجار اللاهثين للكسب والربح السريع و الفاحش عبر استغلال المواطن والعبث بقوته اليومي ونوه إلى أن الجهات الرقابية تقوم بممارسة عملها على أكمل وجه وبشكل يومي وتنظم الضبوط التموينية بحق المخالفين والهدف هو كبح ارتفاع الأسعار ومحاربة طمع وجشع التجار .
حماية المستهلك ..
رامي اليوسف – مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قال : منذ صدور مرسوم زيادة الرواتب يتم القيام بجولات على الأسواق وتنظيم الضبوط مباشرة بحق المخالفين فتم تنظيم 185 ضبطا يتعلق بعدم الإعلان عن الأسعار ، وإغلاق 91 محلا بسبب عدم إبراز فواتير والبيع بسعر زائد ،وسحب 11 عينة ، وقد قسمت المدينة إلى أربع قطاعات ولكل قطاع سبعة مراقبين وهناك سيارات مثبتة في حيي الزهراء والنزهة لتلقي الشكاوى ، إضافة إلى مكتب الشكاوى وكل ذلك بهدف تفعيل ثقافة الشكوى لضمان مصلحة المواطن .
بالأرقام …
الواقع أن الأسعار ترتفع بوتيرة عالية، وبما لا ينسجم إطلاقا مع زيادة الرواتب، وتشير الإحصاءات، إلى ارتفاعات كبيرة في مؤشرات التضخم.
منار الناعمة – يوسف بدور
تصوير: الحوراني