لاتبح بسرك للريح

ندين للأديب الدكتور شاكر مطلق بفضل معرفة الشعر الياباني، فقد قام هذا الطبيب الأديب بترجمة شعر وحكم من اليابان عن اللغة الألمانية التي يجيدها أي إجادة بل يكتب بها أدبا ً.
وقد بذل الدكتور شاكراً جهدا ً كبيرا ً كي ينقل إلينا روح الشرق الصافية، روح الطبيعة النقية التي نفتقدها في أدب الغرب الذي اعتدنا على ترجمته ، كما نفتقدها في أدبنا العربي قديمه وحديثه ولذلك كان الدكتور شاكر محقا ً عندما كتب في مقدمة الترجمة :
« عندما تحاول الدخول إلى ملكوت الشعر الياباني بصفتك شرقيا ً تحمل ذاكرة ألفي عام من الموروث الشعري العظيم الذي يتمحور معظمه حول الذات والبيئة الصحراوية والفروسية والقيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة ، فعليك أن تنزع جلدك وتترك ذاكرتك لتستريح قليلا ً، وتعبر عالم الماء وأزهار الكرز بخشوع وصمت لتصغي إلى همس السكون وتقرأ خلف الكلمات المعاني، وإن استطعت فلك حالة خاصة في محاولة الاقتراب من المطلق.
فهذا الشعر الياباني المندرج تحت نوعين- التانكا – الهايكو- شاع شيوعا ً مذهلا ً حتى صار اليابانيون ينشدونه في الطرقات والأسواق وفي ملتقيات الشعر ومبارياته .
وأول ما يطالعك في هذا الشعر هو موقف الإنسان من الطبيعة هذا الموقف الذي يقوم على خدمة الطبيعة واحترامها والمحافظة عليها لأن الإنسان جزء ضئيل منها وإذا ما دمرها- كما يحصل – فإنما يدمر نفسه، ولذلك يشعر الياباني بالتماهي بالطبيعة، يقول: ميدايو غوري :
على الأشجار تهب الريح الباردة
ضوء الشمس يومض خلالها
فجأة أشعر برغبة في نفسي
أن أصبح شجرة خضراء
والطبيعة محرض الإبداع الأبدي ، كل ما فيها رائع ومدهش، فهي تضفي على الكون سحرا ً أخاذا ً، فهالة القمر غمامة عطر أزهار الخوخ تجمعت في السماء كما يقول – بوزون –
أليست هالة القمر
عطر أزهار الخوخ
المتصاعد إلى السماء ؟!
والطبيعة معلم للإنسان فهو تلميذ في مدرستها وربما ذكرنا هذا برواية – روبنسون كروزو- للإنكليزي دانييل ديفو-
ولكن الطبيعة هنا تعلم الإنسان رحابة الصدر وتجعله يندم على ضيق صدره أحيانا ً، يقول : – روزون-
عندما يزهر الخوخ
أشعر بالندم
لأني غضبت على بعض الناس
وفي شعر الهايكو الياباني نجد تقديس الطبيعة، أو احترامها الشديد والشغف بها، فالإنسان ينحي نفسه جانبا ً من أجلها، يقول:- زاييه
غرفة ضيوفي
أعددتها للقمر
وأجلست نفسي في الظل
وأختم ببعض مما قاله الناشر النمساوي بالألمانية لطبعة – لاتبح بسرك للريح :
تشبه الروح اليابانية بحق زهرة الكرز التي تأخذ مع الشمس الطالعة بالإشعاع والعبير، الشعر الياباني يتجه كليا ً إلى تطور الحياة الداخلية والميتافيزيقيا اليابانية التي تكاد تكون فريدة في العالم ، تعتمد على كونها قد استمدت نبضات قوية من الهند والصين.
وشكرا ً للأديب الطبيب شاكر مطلق الذي فتح أمامنا نافذة على الشعر الياباني وأمنياتنا له بالشفاء
د . غسان لافي طعمة

المزيد...
آخر الأخبار