تراه كلما فتحت باب خزانتها الخشبية العتيقة المحملة بحكايا ألف ليلة وليلة من زمن لم يكن في وقته جميلاً … لكنها أصبحت فيما بعد تنعته بالزمن الجميل .
حكايا صبا وأولاد وأحفاد و …وسنوات مضت بحلوها ومرّها بندباتها التي حفرت في القلب أخاديد قاسية الوجع ..
تتلمسه برفق وتشاركه دموعها التي تسيل كثيراً على وجنتين لم تستطع التجاعيد أن تخفي جمالهما ..
لم تترك هذه العادة رغم ازدياد رجفة يديها هي ابنة السبعين بركة فكل يوم بعد صلاتها تتفقده تدندن له أغاني الحنين ..
وتهمس إليه « يارفيق الرحلة الأخيرة .. ألم تحن لحظة الرحيل بعد … والله تعبت ..» يا رب لا تتعب أبنائي بي .. يارب لا تجعلني ضيفاً ثقيل الظل ..
مضت سنوات السبعين كلها .. ولم تكن تدري أن القدر قد حضّر لها مفاجأة بحجم دهر .. شيء لم تكن لتتوقع حدوثه في يوم من الأيام .. إنها الفاجعة .. التي بترت ما تبقى من دم في وريد هرم .. صرخة دوت في أرجاء عمر لم يعد يقوى على ألم،فجعت بابنتها .. إنه القدر الذي يكتب النهاية التي يريد , لا كما نشاء , فتحت الخزانة المعتقة بماء العين ونبض الروح .. تأملته للمرة الأخيرة , ضمته الى صدرها المبتلى بمئة سوط وسوط ، نادته بصوت مبحوح : حضّرتك لنفسي .. حمّلتك كل آمالي وأشيائي .. وبحت لك بكل أسراري التي كتمتها عن كل بشر ..كل ذنوبي اعترفت لك بها .. كنت أعتقد أنك رفيق رحلة اللاعودة .. ولكن على ما يبدو أنني سأهديك لفلذة كبدي .. احك لها حكايا ذات نهايات وردية كتلك التي كنت أرويها لها عندما كانت جدائلها هوايتي المفضلة .. قل لها أن أمك كانت تريد أن تودعيها أنتِ وتذكريها أنت وتبكي عليها …و تنثري التراب عليها .. لكنه حكم القدر الذي لا سلطان فوقه .. اعتن بها … اعطف عليها …
كن رؤوماً على جسد ابنتي المسجى أيها الكفن.
نادين أحمد
المزيد...