تعود معرفتي بالأديب الراحل صفوان حنوف إلى بداية التسعينات حيث أن طبيعة عملي كانت تتطلب مني معرفة أدباء ومثقفي حمص بسبب حضوري ومتابعتي لأغلب الأنشطة الثقافية حيث كان للراحل مشاركات في بعض المنتديات الأدبية التي كانت تقام كمنتدى الإبداع الأدبي الذي كان يشرف عليه وينظمه بعض المهتمين بالشأن الثقافي تحت مظلة اتحاد شبيبة الثورة التي تخرج من عباءتها الكثير من الأدباء والمبدعين خلال السنوات الماضية .
كان متابعاً جيداً لمعظم الأنشطة والفعاليات الثقافية التي كانت تقام وكان مشهود له دماثة خلقه ومحبته وروحه التي تعبق بالمودة لكل من كان يعرفه وكأنه لم يعرف الحقد إلى قلبه طريقاً في يوم من الأيام على الرغم من سلبية البعض في عرقلة انتسابه لاتحاد الكتاب العرب من أكثر من خمسة عشر عاماً .
خلال السنوات الماضية كان يزورني باستمرار في صحيفة العروبة، وكنا نتبادل الأحاديث حول آخر نتاجاته وكنت أحثه على نشر قصصه في صحيفة العروبة وكتابة مقالات لصفحة أطياف الأسبوعية .. لم يكن لديه ذلك الهاجس بنشر قصصه أو حتى كتابة المقالات لأنه يبدو كانت لديه مشاريع أخرى يعمل عليها وهذا ما تبدى في فترات لاحقة حيث لم يكن يفصح لي بما يقوم به من أعمال تتطلب البحث والدراسة ويمكن أن أشير إلى أن الراحل كان يملك عقلا منفتحاً ويتقبل كل الآراء والأفكار البناءة بكل رحابة صدر فهو يروي عبر لقاء نشر في صحيفة العروبة عن مشاركته في إحدى المسابقات السنوية التي كان يقيمها فرع اتحاد الكتاب العرب بحمص ولم تفز آنذاك ويذكر انه التقى الناقد الدكتور سمر روحي الفيصل الذي كان رئيس لجنة التحكيم وطلب منه رأيا بها فقال له : لو أخذنا مقصا وقصصنا القصة من منتصفها .. لخرجنا بقصتين، الأولى اجتماعية .. بدأت ولم تنته،والثانية وطنية…. انتهت بدون أن تبدأ،وطلب منه أن يعيد كتابتها من جديد ، ويقول الراحل أنه توقف عن الكتابة،وراح يقرأ في القصة القصيرة لمختلف الكتاب، محليين وعرباً وأجانب، حتى توضحت له معالم هذا الفن الجميل، فأعاد كتابة القصة السابقة-الحقيقة والشمس- وخرج منها بقصتين جميلتين، الأولى اجتماعية بعنوان :المرحوم ،وقد فازت بالمرتبة الثانية في مسابقة فرع اتحاد الكتاب العرب فرع حمص عام 1996 ، والثانية وطنية بعنوان : السكين، وقد فازت بالمرتبة الأولى على سورية في المسابقة الأدبية التي أعلنت عنها دار البعث عام 1997 ، وهو بذلك يقدم مثالا لكل الكتاب الذين يأملون أن يكون لهم شأن في عالم الأدب بأن لا يصموا آذانهم عن الاستماع للآراء التي تتناول تجربتهم الأدبية وبالتالي أن يحاولوا تطوير تجربتهم من خلال القراءة لكبار الكتاب ولعل متابعته واجتهاده هي التي قادته للفوز بالمرتبة الأولى عن مجموعته القصصية زمن الحرائق- التي نظمتها دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة على مستوى الوطن العربي .
وفي عام 2004 طبع مجموعته القصصية الثانية وهي بعنوان : البيدق، وفي العام نفسه صدر له كتاب في بيروت بعنوان: الاسم الرباني وأثره في السلوك الإنساني ، وبعد تقاعده من الوظيفة التي كان يعمل بها اتجه اتجاها آخر في الكتابة، إذ قام بتأليف /6/ كتب غير المعجم الشامل لموضوعاته ، كما أنجز فهرسة المواد التي نشرت الملحق الثقافي لصحيفة الثورة لمدة تزيد عن العشر سنوات ، بشكل علمي وممنهج حسب احدث برامج الفهرسة .
لقد كان الراحل بدماثة خلقه وطيب تعامله عونا للكثير من الأدباء الجدد الذين كانوا يشقون طريقهم في مضمار الأدب ، وكان لا يتوانى عن الأخذ بيدهم ومساعدتهم في الاستمرار في هذا الطريق الذي لم يكن سهلا أمام الكثيرين حتى انه أقام حفل توقيع في بيته للبعض واستعان ببعض الأدباء المشهورين لتقديم دراسة نقدية عن المجموعة الشعرية إضافة لتكفله بتقديم الضيافة وهذا الأمر لم يفعله احد من الأدباء في السابق .
في الأيام الأخيرة من حياته كان يرسل بعض القصائد للنشر في صحيفة العروبة لبعض الشعراء من إحدى الدول العربية وكان اهتمامه كبيراً حين يتم النشر ويحرص على إرسال نسخ ورقية وكان يطلب عدة نسخ وكنت في بعض الأحيان أعتذر بسبب النسخ القليلة التي تصلنا من مطابع المؤسسة في دمشق ومع ذلك فقد كنت أتدبر الأمر وأعطيه النسخ التي يطلبها واذكر أنه في المرة الأخيرة قال لي أنها آخر مرة سيطلب مني نسخاً إضافية من العروبة حينها قلت له : لا تقل المرة الأخيرة .. فأنت تطلب في أي وقت تشاء لأنك صديق استثنائي .. اذكر أن عينيه كادتا تدمعان من شدة تأثره وهو بطبعه يحمل بعض سمات الخجل والطيبة والدماثة.
ربما كان الراحل يدرك أن ذلك اليوم سيكون اليوم الأخير الذي نلتقي به وربما أحس بدنو اجله .. ودعته حين غادر وأنا اشعر بالغصة من كلمته أنها المرة الأخيرة التي سيطلب فيها وكان بعد حوالي الأسبوع لدينا موعد بظهرية قصصية في رابطة الخريجين .. كلهم حضروا إلا هو الذي ترك مكانه فارغاً لكنه كان حاضراً في الذاكرة التي لا يمكن أن تنسى صاحب الابتسامة النقية والقلب العامر بالمحبة والمودة و الذي ارتحل إلى جوار ربه.
رحم الله الأديب الصديق صفوان حنوف واسكنه فسيح جنانه وألهم ذويه الصبر والسلوان.
عبد الحكيم مرزوق