افترشت السيدة أم مصطفى الأرض قبالة مجموعة من المواطنين الذين اصطفوا أمام مركز لتوزيع اسطوانات الغاز في أحد أحياء المدينة بانتظار طويل للحصول على اسطوانة بالسعر العادي بعيدا عن غلاء الأسعار في السوق السوداء ..
ويمكن أن يرى كل من يتجول في أحياء وشوارع المدينة مشهد المواطنين وهم يتزاحمون للوقوف بانتظار الحصول على اسطوانة غاز .. فلم يمض وقت طويل على انفراج أزمتي الغاز والمازوت التي عانى منها المواطنون خلال الفترة الماضية حتى عادت إلى الواجهة من جديد، فأمام كل مركز توزيع للغاز تجد أرتالا من نساء ورجال وأطفال وقد تجمعوا وسط تزاحم وفوضى، تصطف أمامهم اسطوانات الغاز لتشكل رتلاً آخر موازياً لهم.
وفي ظل هذا الازدحام الكثيف والانتظار في الجو البارد والقارس للحصول على اسطوانة الغاز، تنتعش السوق السوداء وعمل ما يسمون بـ «تجار الأزمات»… فقد يأتي احدهم ليقول بصوت منخفض، هل تشتري اسطوانة غاز؟ وتسأله بكم ؟ فيقول بـ 8000 ليرة للاسطوانة الواحدة، وأحيانا تباع بـ 10000 ليرة، رغم أن سعرها 3600 ليرة…
وتقول أم مصطفى أتيت من بيتي منذ الخامسة صباحا، وسلمت الاسطوانة الفارغة ودفعت ثمنها أملا في الحصول عليها ، وتابعت أنا لا استطيع الوقوف مع الآخرين الذين يتدافعون للفوز بأسطوانة ..
تقول أم عيسى منذ 10 أيام وأنا آتي إلى مركز المعتمد وأسأل عن امكانية حصولي على اسطوانة غاز ولم أنجح حتى الآن ، مضيفة «ليس بمقدوري شراء اسطوانة الغاز من السوق السوداء بسعر 9000 ليرة»، وتؤكد أنها «تطهو الطعام على سخانة تعمل على الكهرباء، وطالبت الجهات المعنية بضرورة تأمين هذه المادة الضرورية للمواطنين…
ظروف قاهرة
العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على الشعب السوري ليست سوى تتمة لمخطط ضرب سورية الذي بدأ بضرب البنى التحتية وتدمير الاقتصاد الوطني والسيطرة على مواردها الطبيعية تمهيدا للسيطرة عليها بالكامل ، وحين فشل الأعداء بتنفيذ مخططاتهم الشيطانية من خلال الحرب العسكرية التي لا تزال مستمرة عبر أدواتهم من المرتزقة التكفيريين لجؤوا إلى العقوبات الاقتصادية وتشديد الحصار ولاسيما على قطاع النفط بهدف خلق حالة من الهلع والذعر بين المواطنين ، إلا أن الشعب السوري الصامد المقاوم يدرك تماما أهداف الحلف المعادي و ما لم يستطع العدو تحقيقه عبر الحرب العسكرية لن ينجح بالحصول عليه مهما شدد الحصار وزاد من العقوبات ، وفي نفس الوقت يطالب السوريون بأبسط مقومات الصمود كتأمين وقود التدفئة والكهرباء والغاز وتخفيض الأسعار للمواد الأساسية ، ولعل أبرز ما يؤرق بال المواطن هو تأمين اسطوانة الغاز التي عليها تقوم معظم الأعمال المنزلية ،في ظل انقطاع الكهرباء يوميا لساعات وقلة كميات المازوت ولكن نقص المادة وتأخر المواطن في استلام مخصصاته كل 23 يوما حسب ما قررت وزارة النفط وعبر البطاقة الذكية التي لم تحل المشكلة حسب رأي الكثير من المواطنين بل زادت الأمور تعقيدا نظرا للتضارب الكبير ما بين تصريحات الوزارة في أحقية المواطن باستلام مخصصاته من أي مركز وتعليمات مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي تمنع المواطن من استلام أسطوانة الغاز من غير الحي الذي يقطن فيه… وللاطلاع على الواقع أكثر التقت العروبة بعدد من المواطنين لمعرفة همومهم وكيفية استلامهم مخصصاتهم من الغاز .
45 يوماً دون غاز
زهير من حي النزهة قال: استلمت اسطوانة الغاز من معتمد الحي بتاريخ 15 / 12 / 2019 وكانت المرة الأخيرة التي أستلم بها المادة ، علما أنني سجلت على اسطوانة جديدة عند المعتمد وفي كل مرة أراجعه يقول لم يحن دورك بعد وعلى هذه الحالة لم أحصل على مستحقاتي من الغاز منذ 45 يوما ولن أحصل عليه قبل 10 أيام على الأقل نظرا لعدم وصول سيارة الغاز إلى الحي واستلام جيراني مستحقاتهم وأضاف: اللافت في الأمر هو وجود اسطوانات الغاز المنزلي في السوق السوداء ولكن بسعر يصل من 5 – 6 أضعاف سعرها الحقيقي حيث يصل سعر الاسطوانة إلى 15000 ليرة سورية .
همنا الكبير
وائل من حي العباسية قال : نعاني كثيرا في تأمين اسطوانة الغاز ، كون المعتمد يتعامل بطريقة جداول المجموعات وكل مجموعة فيها 100 اسم ودوري في المجموعة رقم 3 أي كل 69 يوما يمكنني الحصول على حقي من الغاز وبموجب البطاقة الذكية ،والسبب هو عدم تسليم المعتمد سوى دفعتين من الغاز في الشهر أي 200 اسطوانة شهريا يجب أن تكفي 300 عائلة مسجلة لدى المعتمد وحكما هذا الأمر غير ممكن على الإطلاق مما يدفعنا للقيام برحلة بحث طويلة عن اسطوانة الغاز بين معتمدي الأحياء الأخرى ومركز الشعلة الذي قد نضطر لمراجعته لعدة أيام نظرا للازدحام الشديد فيه ، أو شراء اسطوانة غاز من السوق السوداء بسعر يفوق قدرتنا المادية حيث يتراوح سعر الاسطوانة ما بين 12 – 15 ألف ليرة سورية حسب مزاج البائع وحاليا بات همنا الأكبر تأمين اسطوانة غاز .
خابت آمالنا
عدنان من حي كرم اللوز قال: بعد أن أقر العمل بالبطاقة الذكية تفاءلنا خيرا خصوصا وأنها منعت عمليات احتكار الموزعين للمادة والبيع في السوق السوداء وحددت المدة التي يحق لكل مواطن أن يستلم مخصصاته من مادة الغاز خلالها ولكن عند التطبيق الفعلي خابت آمالنا حيث لا نستطيع أن نحصل على مخصصاتنا إلا كل 50 يوما على الأقل وأحيانا تطول المدة أكثر والسبب حسب رأي أكثر من معتمد من حينا والأحياء الأخرى أن فرع شركة محروقات حمص «سادكوب» لا تسلم المعتمد سوى 200 اسطوانة غاز شهريا وهذه الكمية لا تغطي حاجة أهالي الحي الفعلية حيث يحتاجون شهريا لأكثر من 300 اسطوانة ليتمكن المواطن من الحصول على مخصصاته كل 23 يوما ونحن لا قدرة لنا على شراء الاسطوانة من السوق السوداء نظرا لارتفاع سعرها الذي وصل إلى 15 ألف ليرة سورية .
ما بين الغاز والكهرباء
نضال من حي الأرمن قال: نظرا لأزمة الغاز الخانقة ولعدم تمكننا من استلام مخصصاتنا على البطاقة الذكية كل 23 يوما نحاول قدر الإمكان أن نوفر في استهلاك الغاز عبر طهي معظم وجباتنا على الطباخ الكهربائي في حال وجود الكهرباء وكثيرا من الأحيان نكمل طبختنا على الغاز حيث تتكرر انقطاعات الكهرباء ، وأضاف ما الفائدة من البطاقة الذكية وتحديد المدة للمواطن ليستلم مخصصاته إن لم يكن الغاز متوفرا على أرض الواقع وإلى متى سيبقى الوضع على هذا الحال ؟ ولماذا لا توضح الجهات المعنية حقيقة الوضع والى متى سيستمر ؟ .
لا يوجد في حينا معتمدو غاز
خالد من حي الادخار قال: لا يوجد في حينا معتمدون لبيع الغاز المنزلي وننتظر فترات لا بأس بها حتى تدخل الحي سيارات التوزيع المباشر وفي غالب الأحيان يتم التوزيع ولا نتمكن من الحصول على مخصصاتنا نظرا للازدحام الشديد حيث يقف طابور طويل من الأهالي بانتظار السيارة ، مما يدفعنا لمحاولة تأمين اسطوانة الغاز من أحد معتمدي الأحياء المجاورة أو من مركز الشعلة العائد لشركة محروقات حمص .
كل شهرين مرة
عادل من قرية الشرقلية قال: يأتـي الغاز إلى قريتنا كل 50 – 60 يوما مرة والكمية التي تصل غير كافية لتغطية حاجة أهالي القرية فعليا، وطول المدة بين استلام الاسطوانة وعملية الاستلام التالية تجعل من كل أهالي القرية يستحقون استلام مخصصاتهم من الغاز بموجب البطاقة الذكية ويقع المعتمد في حرج كبير حيث عليه أن يرضي قرية بأكملها بهذه الكمية القليلة التي استلمها ، وفي غالب الأحيان نعمل على تأمين اسطوانة الغاز من المدينة عبر الأصدقاء والأقارب والمعارف رغم صعوبة الأمر .
نستخدم الحطب
محمد من قرية فلة قال: لا يوجد في قريتنا معتمد لتوزيع الغاز ولذلك نقوم بالتسجيل في مركز القرية المجاورة التي تبعد عن قريتنا ما يقارب 2كم وكثيرا ما يتم توزيع الغاز دون أن نعلم بذلك وأضاف : طبعا تزور سيارة الغاز القرية المجاورة والقرى الأخرى كل شهرين مرة على الأقل وقد تمتد فترة انتظارنا لاستلام مخصصاتنا ثلاثة أشهر خصوصا في الفترة الأخيرة ونحاول الاعتماد على الكهرباء قدر المستطاع وغالبا ما نستخدم الحطب في التدفئة والطبخ وأحيانا الغسيل .
اشتكى مواطنون من بلدة مريمين بريف حمص الغربي الشمالي، عدم حصولهم على الغاز المنزلي أيضاُ منذ أكثر من أربعين يوما.ونوه أحد المشتكين من البلدة أن وضع الغاز السيئ هي معاناة يعيشها كافة سكان البلدة، والقرى المجاورة لها ، فالغاز لم يصل للبلدة منذ أربعين يوماً دون معرفة السبب.
آلية جديدة
يؤكد العديد من الأهالي في عدة قرى بالريف الشرقي « المخرم – أبو حكفة – خلفة – الشعيرات – الرقامة وغيرها الكثير أن بعض الموزعين ساهموا بتفاقم الأزمة ، واستغلوا نقص المادة للمتاجرة بها كما أن زيادة استهلاك الغاز للتدفئة وتسخين المياه مع اشتداد برودة الطقس زادت الطلب وساهمت في زيادة الأزمة…و أشار حسن إلى انفراج بسيط شهدته الأيام الأخيرة حول مادة الغاز وتوافر الأسطوانات لدى معتمدي القرية ، فيما أشار لؤي أن المشكلة في المدة الزمنية الفاصلة بين التوزيع الأول والتوزيع اللاحق وهي مدة 50 يوما .
وقد أكد أحد الموزعين في إحدى القرى أن عملهم سيصبح أكثر تنظيما ودقة ولا سيما بعد قرار وزارة النفط والثروة المعدنية فقد أعلنت عن آلية جديدة لتوزيع الغاز المنزلي بدءاً من تاريخ 1 شباط ، وتشمل الآلية الجديدة إرسال رسالة نصية إلى كل مواطن حاصل على البطاقة الذكية تتضمن موعداً لاستلام الأسطوانة من المعتمد المحدد، وستعطى مهلة زمنية مدتها 3 أيام من أجل الاستلام، حيث ستكون الرسائل مجانية ولن يترتب أي شيء إضافي على المواطنين، وبأنه يحدد المعتمد الخاص لتوزيع الغاز لكل مواطن بحسب المرة الأخيرة التي حصل فيها على أسطوانة غاز منه، ويحق للمواطن تغيير المعتمد كل ستة أشهر، أي مرتين في العام الواحد فقط
وأضاف : أنه في حال وصلت الرسالة للمواطن بموعد استلامه لأسطوانة الغاز دون أن يكون بحاجة لاستبدالها، يؤجل للدور القادم بمدة قصيرة لا تزيد عن 3 أيام، حيث يمكن تأجيل موعد استلام الأسطوانة أكثر من مرة لحين الحاجة لها ، كما ويحق لكل عائلة تملك بطاقة ذكية الحصول على جرة غاز منزلي كل 23 يوماً، وموعد بدء الإجراء الجديد سيكون خلال هذا الشهر « شباط» .
.والتقينا عددا من معتمدي الغاز الذين لم يكن حالهم أفضل من المواطنين حيث أن لهم معاناتهم ومشاكلهم أيضا
200 اسطوانة فقط
بعض المعتمدين قالوا : مخصصاتنا الشهرية 300 اسطوانة ولدينا قوائم بأسماء 300 عائلة من الحي من المفروض أن نزودها بمخصصاتها من مادة الغاز شهريا ولكن فعليا يتم إرسال 200 اسطوانة فقط خلال الشهر وهذا الأمر يؤدي إلى تأخر استلام أهالي الحي لمخصصاتهم كل 23 يوما حسب برنامج البطاقة الذكية حيث نقوم بتسليم المواطنين مخصصاتهم على دفعات وفق الجداول وبالتالي يستلم المواطن حصته كل 50 يوما تقريبا.
مرة بالشهر
وأضافوا : محالنا إيجار وأرباح بيع الغاز قليلة جدا مقارنة بأي عمل آخر فهي لا تتجاوز 5 % ومع ذلك كانت الأمور جيدة نسبيا حيث كان يتم تسليمنا مخصصاتنا البالغة 300 اسطوانة شهريا ولكن تم إنقاص الكمية من قبل شركة المحروقات لتصبح 200 اسطوانة ،وخلال هذا الشهر لم يتم تسليمنا سوى دفعة واحدة والكمية 100 اسطوانة فقط ،ولدى مراجعة الشركة تبين أن السبب هو النقص الشديد في المادة ، وأضافوا: نحن دائما متهمون بالتلاعب بالمادة وعند كل تأخير نتعرض للاتهامات جزافا ببيع المادة خارج الحي إضافة لمشكلة أخرى وهي أنه في حال امتناعنا عن بيع الغاز لشخص من خارج الحي يقوم فورا بتقديم شكوى لمديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي تتخذ بحقنا عقوبة فورية لا تقل عن 25000 ليرة سورية حتى ولو تنازل المشتكي عن الشكوى ..
بشرى عنقة – يوسف بدور