تعتبر مشكلة الشباب في العالم العربي من إحدى القضايا الهامة والأساسية باعتبار الشباب يشكلون الطاقة البشرية والحيوية القادرة على القيام بالعمليات النهضوية والتنموية بالانطلاق من التعليم والتربية والثقافة والإعلام والقيم الاجتماعية , وتقدر نسبة الشباب في العالم العربي بحدود 20% من مجمل سكان العالم العربي، و هذا العدد الكبير يتطلب منا دراسة أوضاعه والوقوف عند همومه وطموحاته باعتبار الشباب هم الرصيد الاستراتيجي و الثروة الحقيقية لذلك فالحديث عنهم حديث عن المستقبل والتحديات المقبلة ، وإن مشكلة الشباب تنبع بالأساس من خلل في سياسات التنمية والتربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية ، الأمر الذي يفرض ضرورة مشاركة عدد كبير من العلماء والباحثين والكتاب والمفكرين وعلماء النفس والاجتماع في وضع إستراتيجية مستقبلية تتبنى جيل الشباب وتساعده على تجاوز الصعوبات والمعوقات التي تعترض سبيله وتساهم في ذلك مختلف المؤسسات الشعبية والرسمية والنقابية والأسر.
وللاطلاع على هموم ومشاكل الشباب التقينا عدداً من الشباب الذين كانت لهم آراء مختلفة :
هموم الشباب
محمد « مهندس » قال:إن واقع الشباب في العالم العربي يعاني من جملة أزمات ، فقد أدت المتغيرات الاجتماعية في العصر الحديث إلى خلل في الأسرة العربية ، بعد أن غزت الثقافات الوافدة من الغرب البلاد العربية فأدت إلى بعض التصدعات داخل الأسرة ، الأمر الذي غير من شكل العلاقات الأسرية والاجتماعية حيث اهتزت بعض القيم والمبادئ لدى الشباب وظهرت هموم ومشكلات من أهمها : الفراغ التربوي حيث أصبحت العلاقات بين الأسرة الواحدة مثل العلاقات بين ساكني فندق وعليه يتحدد المستوى الاجتماعي رقياً وضعفاً ، وبالتالي تحولت العلاقة بين الأسر وأفرادها لتصبح نوعا ما علاقة جوار وقتي عند النوم ، وأحياناً عند الطعام ، فمثلاً توجد علاقة تربط الأبناء بالآباء والأزواج بالزوجات محددة في القانون والشرع ، ولكن ما تم نقله عن الغرب وفسر بشكل خاطئ بات يهدد الأسرة العربية ، والشباب هم أكثر فئات المجتمع تأثراً بالفراغ التربوي مما انعكس على بناهم النفسية والعقلية وتوجيهاتهم الثقافية والأخلاقية والاجتماعية ، ولعل من مظاهر الفراغ التربوي لدى الشباب تراجع سوية التعليم فالعدد الضخم للطلاب سلاح ذو حدين فإن استطعنا أن نحقق تعليماً فعالاً ينسجم مع حاجات المجتمع ويلبي طموحات خطط التنمية ، ويواكب التغيرات والتطورات العالمية ، فإن كل ذلك سيحدث ثورة اجتماعية واقتصادية في غضون سنوات ، بشرط ألا يبقى حال التعليم في العالم العربي على وضعه الراهن ، فالعالم العربي يعيش تراجعاً مستمراً في دخله القومي ، ويتوقع له مزيداً من التراجع بسبب عوامل عديدة داخلية وخارجية ، إذ أن خريجي التعليم على مختلف مستوياتهم سيشكلون مزيداً من العبء على المجتمع بكامله ، وبدلاً من أن يقودوه إلى الأمام فإنهم سيكونون قوة كابحة لتقدمه وتطوره وبخاصة إن عدد خريجي الجامعات يزداد بصورة كبيرة ، والسؤال أي المشاريع العربية القادرة على استيعاب هؤلاء وغيرهم من خريجي الثانويات والمدارس والمعاهد المتوسطة ، إن أهم ما يعيق التعليم هو ضعف الإنفاق عليه في العالم العربي ، لذلك لابد من إعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق ووضع العملية التعليمية في المراتب الأولى حتى يصبح للتعليم دلالته القيمية إذ أصبح هدف الشباب في ظل الفراغ التربوي هو الحصول على الشهادة ، وبالتالي أصبح الأسلوب السائد هو أسلوب الحفظ والتلقين ، وتغيب النقاش والحوار ، ومن هنا ظهرت أمية الحضارة إن لم يكن التخلف الحضاري .
البطالة
سعيد « مدرس » قال :يرتبط مفهوم البطالة بوصف حالة المتعطلين عن العمل وهم قادرون عليه ويبحثون عنه ، إلا أنهم لا يجدونه ، ويعتبر مفهوم البطالة من المفاهيم التي أخذت أهمية كبرى في المجتمعات المعاصرة من البحث والتحليل ، لذا استحوذ موضوع البطالة بشكل رئيسي على عناية أصحاب القرارات ، وكذلك على اهتمام الباحثين الاجتماعيين أو الاقتصاديين ، بوصفه موضوعاً يفرض نفسه بشكل دائم وملح على الساحة الدولية ، لهذا لا تكاد تصدر دورة علمية متخصصة ذات علاقة بعلم الاقتصاد والاجتماع والجريمة إلا وتتعرض لموضوع البطالة ,ويتحدد حجم البطالة من خلال احتساب الفارق بين حجم مجموع قوة العمل وحجم مجموع المشتغلين ، أما نسبة البطالة فتحسب بقسمة حجم البطالة على إجمالي قوة العمل مضروباً في مئة ، وذلك وفقاً للمعادلة التالية :
نسبة البطالة =(حجم البطالة /إجمالي قوة العمل) × 100
إن نسبة القوى العاملة في العالم العربي هي من النسب المتواضعة مقارنة مع الدول المتقدمة التي تتراوح فيها نسبة القوى العاملة 50% من مجمل السكان ، بينما في العالم العربي لا تتجاوز 26.5% من مجمل السكان .
مبينا أن البطالة لها آثار على الشباب والمجتمع فهي تؤدي إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي ، إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية ، فمثلاً يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة ، مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية لديهم ، كما أنهم يتعرضون للضغوط النفسية أكثر من غيرهم بسبب معاناتهم من الضائقة
وتشير الدراسات أن هناك علاقة بين البطالة والجريمة ، فكلما زادت نسبة البطالة ارتفعت نسبة الجريمة ، و تعد جريمة السرقة من أبرز الجرائم المرتبطة بالبطالة ، وكلما ازدادت نسبة البطالة ، ازدادت الجرائم منوها أن الإنسان هو المورد الاقتصادي الأول ، وبالتالي فإن أي تقدم اقتصادي يعتمد على الإنسان بإعداده علمياً حتى يتحقق دوره في الإسهام في نهضة المجتمع ، وتضعف البطالة من قيمة الفرد كمورد اقتصادي وتعمل على هدر الطاقات البشرية .
البطالة المقنعة
وهي أبشع أنواع البطالة ، وتعرف بأنها مقدار قوة العمل التي لا تعمل بشكل فعلي في النشاط المنتج ، يمثلها شباب دخلوا مجالات عمل غير راغبين بها ، بل مجبرون وذلك بسبب ضيق مساحة الاختيار أمامهم ، خصوصاً في ظل سياسة معدلات القبول الجامعي من جهة ، والنظرة الاجتماعية المغالطة لبعض الاختصاصات من جهة ثانية .
وشباب أجبروا على القيام بأعمال ليست من اختصاصهم لعدم وجود حاجة لاختصاصاتهم ، وهم يمارسون أعمالاً مالية أو حسابية , شباب دخلوا ميدان أعمال تتوافق مع اختصاصاتهم ، لكنهم لا يقومون بأعمالهم على أكمل وجه والسبب هو الفراغ التربوي الذي يعيش في ظله الشباب ، وهو أخطر الأنواع وأكثرها انتشاراً في القطاعات الإنتاجية العامة في العالم العربي .
وأضاف : إذا كانت البطالة المقنعة هي السبب الرئيسي في تدني الإنتاجية ، فهي أيضاً تستنزف قسماً كبيراً من الموارد المالية دون أن تنتج حيث تحول العمل ليس كمقابل للأجر المقبوض لكنها وسيلة سهلة له ، مما يساعد بشكل خطير على تراكم الموظفين العاملين والمقنعين لدى الدوائر العامة والحكومية .
الإدمان
منذر « محامي» قال :الإدمان مشكلة نفسية ، وعملية توافقية غير موفقة لشخص مضطرب ، والإدمان آفة اجتماعية ومشكلة قانونية خطيرة ولها آثار سيئة متعددة على الفرد والأسرة والمجتمع لأن المدمن قد يلجأ إلى أي وسيلة للحصول على مادة التعاطي ، من الكذب إلى السرقة إلى التزوير ، وغير ذلك مما يؤثر تأثيراً سيئاً واضحاً على عمله وعلى حياته الزوجية والاجتماعية ، ومن المؤسف أن أكثر الفئات العمرية تعاطياً للمخدرات هم الشباب فهم الثروة الحقيقية داخل أي مجتمع ، ويحدث الإدمان نظراً لأفكار ومعتقدات خاطئة،التي تلعب دوراً مهماً في سلوك المدمن ومنها ما يرتبط بها من أوهام السعادة أو الشعور باللذة ، كما يشاع وسط المتعاطين والمدمنين أنها تنسي الإنسان هموم الدنيا وتنقله من الكآبة إلى السعادة .
و تجعل الفرد كما يتوهمون يعيش في عالم الأحلام وتجعله يعمل فترة طويلة بدون تعب .
كل هذه المعتقدات ما هي إلا مشاعر زائفة وأوهام .
أضرار الإدمان ومخاطره على الشباب
أثبتت الدراسات بأنه توجد علاقة موجبة بين التعاطي وارتكاب الجريمة ، وخاصة جرائم العنف والسرقة والبغاء .
ويصاب المدمن باختلاط عقلي لا يستطيع معه تحديد الكمية المطلوبة من العقار ، فيتناول كمية كبيرة تودي بحياته ,واعتلال صحة المدمنين جسدياً ونفسياً هذا بالإضافة إلى الأضرار التي تقع على المجتمع وهدر طاقته المادية والبشرية.
والوقاية من الإدمان من أهم مسؤوليات الأسرة والمدرسة والإعلام ومجال العمل ، ففي الأسرة يجب تنشئة الأطفال على القيم الصحيحة وفي المدرسة يجب التوعية بأخطار التعاطي والإدمان مع الاستعانة بالأختصاصيين النفسيين والاجتماعيين .
المشكلات الزوجية
علي « أعمال حرة »قال : قد تحدث مشكلة اختيار الزوج عن طريق الصدفة التي قد تخطئ وقد تحدث نتيجة للحب من أول نظرة ، وقد تحدث كاستجابة لأول قادم نتيجة تأخر الزواج ، وكثير ممن فشل في زواجه يعزي أهم أسباب الفشل إلى عملية الاختيار في الأساس والتي لم تكن تلقى أهمية ، بل كثير من الخاطبين يشترط الجمال أو النسب أو المال أو الوظيفة كما يحصل في الوقت الحالي ، ربما على حساب الخلق ، وما أن يتحقق له المطلوب حتى يدرك خطأه الفادح ، وربما دخل في دوامة من المشكلات النفسية والاجتماعية والصراع النفسي .
وقد يحدث تأخر الزواج بالنسبة للإناث وتأخره بالنسبة للذكور ، بالنسبة للإناث يكون خارجاً عن إرادة الفتاة التي قد يطول انتظارها لمن يتقدم لخطبتها ، وقد يفوتها قطار الزواج ، وتظل تعاني من قلق العنوسة وعدم الاستقرار في المستقبل أما بالنسبة للذكور فتكون الأسباب مختلفة ، مثل وجود بعض الظروف الأسرية أو الاقتصادية وقد تسبب مشكلة العنوسة مشكلات فرعية ، مثل: الغيرة وفقدان الثقة في النفس نتيجة زواج الأخت الصغرى قبل الكبرى , ومن أسباب عدم الزواج الانشغال بالعمل والنجاح ، وارتفاع المهور وتكاليف الزواج ، وصعوبة الحصول على سكن مناسب ووجود نماذج لزيجات فاشلة في محيط الأسرة وخاصة الوالدين والأخوة .
الصراع بين الأجيال
الحقيقة أن القاعدة العريضة من الشباب تشعر بوجود فاصل زمني ومساحة في التفكير المختلف بينها وبين الجيل أو الأجيال التي تسبقها ، ولا يترك هؤلاء مقاعدهم لمنح الفرص للشباب لإثبات وجودهم وتحقيق مستجدات نظرياتهم وأفكارهم التي هي في الغالب أكثر مواءمة وملاءمة لمتغيرات العصر .
وهذه مشكلة لها جذور حادة في الواقع العربي إذ تزداد فجوة التفاهم والتجانس والتآلف بين الشباب والكبار وأضحى الكبار ينظرون بعقلية الوصاية وإصدار الأوامر , والأخطر من ذلك أن غالبية الآباء أضحى جل همهم توفير متطلبات العيش والتعليم والصحة لأبنائهم ، متعللين بأن ضغوط الحياة قاسية تدفعهم للعمل مرتين وثلاث في اليوم ، ودفعهم ذلك الواقع إلى تصور أن هذا هو كل ما يريده الشباب .
الثقافة الغربية
غياث « طبيب » قال :يعطي الواقع الثقافي العربي صورة يمكن التعبير عنها بغياب الخطط الثقافية ، حيث يستند الإعلام العربي في معظم أحواله على البرامج الغربية خاصة قطاع التلفزيون ، مما أثر بصورة سلبية على ثقافة الشباب في الوقت الذي لا توجد فيه أي خطوط دفاع أو أرضيات صلبة لمواجهة الغزو الثقافي ، وسهل للأفكار والثقافات الغربية أن تتسرب ببطء إلى نفوس الشباب وعقولهم فتتركها فريسة للأوهام والاغتراب ، وفي حال عدم قدرة أي أمة على تحصين شبابها سيكون مصيرها التبعية وبخاصة هذا الغزو الهائل من المعلومات المضللة وانتشار وتطور الاتصالات ولا سيما الفضائيات التي دخلت معظم البيوت العربية دون استئذان في حين لا توجد وسائل إعلامية فعالة في العالم العربي تستطيع بموجبها المجابهة أو حماية الشباب .
والخوف كل الخوف أن تصبح اللغة العربية هي اللغة الثانية أو الثالثة مع مرور الزمن ، كما نلاحظ أن نسبة القراء في العالم العربي منخفضة عن الدول الأخرى .
ونجد أيضاً أن الشباب العربي يمضي أكثر من 4ساعات يومياً في مشاهدة التلفزيون وقابلة للزيادة مع غزو المحطات الفضائية ، وإن 40-60% من برامج التلفزيون العربية مستوردة وكثير منها لا يتناسب مع طبيعة هذه البلاد العربية ، ويمكن القول عن هذه الحالة «بالغزو الثقافي المستورد » أي أن الإعلام العربي يستورد الغزو الثقافي عبر الأفلام والمسلسلات والبرامج والإعلانات والمستودعات إلى جانب المعلومات بمختلف صورها ، كما أن البرامج التلفزيونية المحلية دون المستوى المطلوب ولا تساهم في تثقيف المواطن أو الشاب وزيادة وعيه وإدراكه.
طموح الشباب
ينقسم الشباب إلى ثلاة أنواع داخل الوطن العربي
أولاً:شباب يحلم بمستقبل مزدهر وعالم كله ورود وحياة مملوءة بالسعادة ومكانة اجتماعية مرموقة وحالة اقتصادية لا يدنو منها غيره ، لكنه يعيش في واقع أليم فهو لا يحمل شهادات علمية ولا يحمل أي صفات اجتماعية أو اقتصادية تؤهله لهذا الحلم الرومانسي ، ومن هنا يحدث تصادم بين الواقع والخيال ومع ذلك يصدق الخيال ويكذب الواقع ، وربما إذا سألته عن أحواله لقال لك «أنني مثل الشمعة تضيء لغيرها وتحرق نفسها» ، وربما إذا سألته عن ماذا قدم للمجتمع أو لنفسه لا يدرك هذا المعنى
ثانياً: شباب معتمد على الآخرين :
هم فئة من الشباب تحتاج إلى تلقي الرعاية دائماً من الوالدين والتعلق بهما والالتصاق بالآخرين والخوف الشديد من الانفصال وصعوبة في اتخاذ القرارات ، وإلقاء مسؤولية أعماله والأشياء التي تخصه على الآخرين والافتقار إلى الثقة بالنفس والانشغال غير الواقعي بالخوف من غياب مساندة الآخرين وأن تترك له مسؤولية الاعتناء بنفسه أو تحمل المسؤولية .
ثالثاً: الشباب الحقيقيون هم الفئة التي يتشرّف بها المجتمع وكل من يتعامل معهم ، شباب يعرف دوره ومسؤولياته ، دائماً يبحث عن ذاته محاولاً تفجير طاقاته العلمية ليضع بصمة في طريق مستقبل منير ، يواجهه الصعوبات ليكتشف فيها اليسر ، يبحث عن المعلوم يرى منه المجهول ، ينادي في محرابه بأن ليس هناك شيء مستحيل أمام العمل والطموح ، مؤمن وواثق في قدراته التي يمتلكها ، شباب يحدد طموحاته وأهدافه وهو طالب يرسم طريقه للوصول إلى مبتغاه ، فيختار مساره التعليمي المستقبلي ولا يترك الصدفة تختار مستقبله ، يريد كلية الطب فيعمل لها ، يريد كلية الهندسة فيعمل لها، شباب يعرف قدراته ، من أهم العوامل في التفوق هي أن يدرك الفرد مدى قدراته فلا يعطي نفسه أكثر من قدراتها ولا أقل من إمكانياتها .
وهم دائماً يرددون كلمة أنا أعرف نفسي وأعرف قدراتي ، لا أشترك أو أغامر في شيء دون دراسة ومعرفة مدى إمكانياتي واستعداداتي في هذا الموضوع .