ارتفاع فاحش في أسعار العقارات و الإيجارات فمن المسؤول ! امتــلاك المواطــن المسكـن كـان حلمــاً و أصبـــح كابوسـاً
يكثر الحديث بين المواطنين حول شراء بيت العمر الذي كان قبل الحرب حلما بعيد المنال بينما أصبح اليوم ضربا من الخيال.
فأسعار العقارات في سورية خالفت العرف العالمي بل وازداد سعرها بعد أن تراجعت قيمة الليرة ، وتحول حلم السكن بكل أنواعه إلى كابوس لدى المواطن السوري الذي لم يجد حتى اليوم خطوة جادة من قبل الحكومة تسهم في تأمين السكن له سواء عن طريق الجمعيات ، أو السكن الشبابي الذي تحول إلى سكن الشيخوخة بسبب التأخير في تنفيذه من قبل المؤسسة العامة للإسكان، والتي تُطالب المكتتبين المسجلين لديها من قبل 2011 بدفع سعر المنزل حسب الأسعار الرائجة حالياً على الرغم من عدم مسؤوليتهم عن تأخر تنفيذ المساكن، والمواطن كبش الفداء الذي يدفع الثمن مهما كان .
ارتفعت أسعار العقارات بمدينة حمص بشكل فاحش و ما زالت تحلق و الأسباب كثيرة, فمنها معروف والباقي لا مبرر له و السوق عرض و طلب و ارتفاع التخمين لدى المؤسسة العامة للإسكان لا يبشر بخير فمن المسؤول ؟؟
هموم و قضايا
صرخات يطلقها ذوو الدخل المحدود حول ارتفاع ثمن الإيجار و اقتصاره على زمن محدد لا يتجاوز العام بأغلبه و امتلاك المسكن كان حلماً و أصبح كابوساً و سؤال واحد على كل لسان :دخلنا محدود و الارتفاع أرهق كاهلنا و لمن نلجأ ؟ و إن دفعنا الإيجار فمن أين نعيش طوال ثلاثين يوماً ؟ و كم ساعة عمل نحتاج في اليوم للإيفاء بالمستحقات اليومية من ماء و كهرباء و طعام و شراب ؟
العقارات و المكاتب العقارية
تجولنا في مدينة حمص وفي أغلب الأحياء و الشوارع و التقينا عدداً من أصحاب المكاتب العقارية والذين أكدوا بأن شقق الإيجار و المحال قليلة و نادرة و إن وجدت فالثمن مرتفع جداً،حيث يصل في المناطق البعيدة عن مركز المدينة الحد الأدنى للسعر /25 / ألف ليرة سورية للمسكن و /35 / ألف للمحل و الدفع سلفاً و العقد مناصفة بين المؤجر و المستأجر بالنسبة للرسوم و التصديق عليه ، و في حال البيع يتعهد المستأجر بالخروج خلال مدة لا تتجاوز الشهر .
و حول ضوابط البيع و الشراء و الآلية المعتمدة أكد الجميع أن السوق عرض و طلب فبائع العقار أو المحل يتحكم بالسعر إن لم يكن مضطرا للبيع ويريد أن يبيع بالسعر الرائج في منطقته دون النظر للميزات الخاصة للمنزل أو المحل التي قد تكون متفاوتة من مكان لآخر
خبراء في مجال العقارات يعزون أسباب القفزات الخيالية في أسعار العقارات إلى “العجز الحاد في المعروض” و تراجع سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية .
هؤلاء الخبراء، يوضحون أن الغلاء الذي طال كافة مستلزمات الحياة، ومنها مواد البناء أدى إلى ارتفاع تكاليف إكساء المنازل إلى أرقام فلكية، ويبينون أن تكلفة إكساء شقة ١٠٠ متر مربع كسوة عادية تقارب ما يزيد على 8 ملايين ليرة سورية .
يصل سعر طن الإسمنت حاليا من مصدره نحو 100 ألف ليرة بعد أن كان لا يتجاوز أربعة آلاف، وطن الحديد المسلح 700 ألف ليرة بعد أن كان لا يتجاوز ٢٥ ألف، بينما تبلغ تكلفة سيارة الرمل سعة ١٠ أمتار نحو 150 ألف ليرة سورية بعد أن كانت ٥ ألاف .
رأي المشتري و البائع
أكد العديد من الأشخاص الذين تعاملوا مع المكاتب العقارية على أن الكثير من أصحاب هذه المكاتب يتلاعبون بالزبون و هم كالمنشار يأكل صعوداً و هبوطا و لا رادع أخلاقي أو قانوني أو آداب المهنة للوساطة العقارية (الدلالة) وأغلب المكاتب تصيد بالماء العكر ولهفة الزبون على البيع أو الشراء تلعب دوراً رئيسياً في ثمن العقار أو قيمة الإيجار .وأكد لنا جميع من التقيناهم أن تجار حديثي مهنة بيع العقارات يلعبون دوراً كبيراً في تسعير العقار منزلاً كان أم محلاً وأغلب المساكن غير مطابقة لمواصفات السلامة والصحة وهي تجارية بحتة .
ارتفاع قيمة المسكن أو الإيجار
العديد من المواطنين فقدوا مدخراتهم خلال سنوات الحرب وهاجروا داخلياً وخارجياً طلباً للأمن والأمان و أغلب المستأجرين أو المشترين للعقارات مغلوب على أمرهم فتاجر البناء يريد المحافظة على اسمه في السوق ومضطر للعمل والمستأجر يريد الإيواء والمشتري – على الأغلب – فقد منزله .
وعن تبرير التجار للغلاء قال أحدهم: هناك عوامل كثيرة تسهم في رفع ثمن العقار وأولها اليد العاملة والمواد الأولية وخصوصاً الحديد وانخفاض قيمة الليرة وهذا الموضوع له جانبان : الجانب الأول سلبي وهو تمسك التاجر بالربح والرغبة في الغش والطمع حيناً آخر ، فالمبالغ المدفوعة للبناء كبيرة ويجب أن يتناسب الربح معها وهناك جانب ايجابي لارتفاع الأسعار والتي تدفع الكثيرين للعمل في مجال العقارات وهذا يؤدي إلى توفر المساكن والمحال ويصبح العرض أكثر من الطلب والسوق يعدل نفسه بنفسه .
رأي المستأجرين للمسكن كان واضحاً وهو أن كل ليرة تدفع للإيجار يذهب مقابلها ليرة من مخصصات الغذاء والكسوة والدواء فالدخل محدود.
أما المستأجرون للمحال فقالوا:كل ليرة تدفع للإيجار تؤخذ من الزبون بعد إضافتها إلى السلعة والتي هي مرتفعة أيضاً بحد ذاتها وهامش المراعاة أو كسب الزبون ينعدم.
انخفاض الأسعار وإلغاء بعض الرسوم
بالمتابعة مع عدد من المهتمين بالاقتصاد أكدوا لنا أن جملة من العوامل تؤدي لا محالة إلى الانخفاض التدريجي في ثمن وقيمة الإيجار للعقارات منها :الإسراع في ترميم المحال والأسواق في مركز المدينة ومدها بالبنى التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وهدم الأبنية الآيلة للسقوط ومنح قروض ميسرة للعائدين والتعويض للمتضررين وتقليل الإجراءات الإدارية ما أمكن ، وعودة الأهالي إلى منازلهم الصالحة للسكن والتي تحتاج إلى ترميم بسيط لاسيما أن بعض الأحياء لا يتجاوز الدمار فيها 10% , إضافة إلى التشجيع على العمل الجماعي وفتح فروع لمؤسسة العمران في كل حي لبيع المواد الأولية من اسمنت وحديد ورمل وبحص , والاعتماد على الذات والعمل الجماعي .
قروض بفوائد مدروسة
أعاد المصرف العقاري منح القروض السكنية لذوي الدخل المحدود إلا أن شروط منح القرض وتحديد السقف بـ 5 ملايين ليرة يبين حقيقة أن المصرف العقاري في وادٍ، وواقع حال أصحاب الدخل المحدود وأسعار العقارات في وادٍ آخر. فبعد انتظار طويل لقرار إعادة منح القروض يرى أغلبية المواطنين أن القرض المكبل بشروط تعجيزية، بات حلماً صعب المنال بالنسبة لهم، خاصة أن الظروف التي مروا بها خلال الحرب لم تسمح لهم بادخار أي مبلغ، بل على العكس من كان يدّخر المال منهم صرفه، ولم تعد لديه عقارات لرهنها كضمانة لتسديد القرض الذي لن يؤمن له منزلاً حتى في مناطق المخالفات «العشوائيات» .
في ظل الحرب والفوضى العقارية، يقول باسم معلا «موظف» : لا نستطيع الارتباط لأننا عاجزون عن تأمين منزل، أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى لمن استطاع إليه سبيلا، والكثير منا لا يملك السبيل إليه، وحتى القروض السكنية التي حلمنا طويلا بعودتها، شروطها تعجيزية ونسب الفائدة مرتفعة ، الأمر الذي يبرر الإقبال الضعيف على القروض .
ويضيف مصطفى الشيخ «موظف» : سعر المنزل في منطقة المخالفات 6 مليون ليرة، وفي مناطق التنظيم تتراوح الأسعار بين 12 و 35 مليون ليرة، فكيف لقرض ه مليون ليرة أن يساعد في شراء المنزل الذي بات حلماً مستحيلاً ؟
حسب العرض والطلب
في لقاء سابق مع المهندس خليل جديد نقيب المهندسين حول غلاء أسعار العقارات قال : هناك عوامل متعددة أدت إلى غلاء العقارات ومنها وأولها الحرب الظالمة التي فرضت على سورية وهذا أدى إلى انخفاض سعر الليرة السورية مقابل العملات الصعبة وأدى إلى ارتفاع كلفة الإنشاء والمواد ومعظم المواد الأساسية يتم استيرادها من الخارج وبظل حصار اقتصادي كبير, مثل الحديد ومواد الاكساء مع قلة المنتج الوطني بالنسبة للطلب والنتيجة ارتفاع فاحش بالأسعار لدرجة أن المواطن أصبح حلمه بامتلاك عقار غير ممكن التحقيق بينما قبل الحرب كان من الممكن امتلاك عقار بوسائل متعددة ووجود المستثمرين الحقيقيين وبأسعار الجملة يمكن تخفيف أسعار المواد ،وأن مرحلة إعادة الاعمار سوف تسهم في توفر مساكن عديدة وتلعب دوراً ايجابياً في انخفاض سعر العقار وأما الآن وبهذه الظروف من غير الممكن انخفاض سعر العقارات .
تشخيص الأسباب
بدراسة بسيطة لواقع العقار يرى بعض المتخصصين في هذا المجال أن أهم أسباب غلاء العقارات في سورية تعود إلى عدة أسباب منها غياب الفرص الاستثمارية الحقيقية ومحافظة العقارات على قيمتها عبر عقود وتضاعفها نتيجة التضخم الكبير.
وعدم وجود هيئة رسمية فاعلة للتقييم العقاري مما يجعل الأسعار لا ترتبط بالمبدأ الأساسي في السوق وهو ( العرض والطلب) فالتخمين المالي لأسعار العقارات بعيد جداً عن الواقع ولا يرتبط بالقيم الفلكية لأسعار العقارات
إضافة لعدم تطبيق ضريبة القيمة المضافة على العقارات وخصوصاً السكنية منها حول البعض إلى تجار عقارات غير مسجلين وغير مشمولين ضريبياً من خلال استثمار مدخراتهم في مساكن على الهيكل ورفض بيعها أو بيعها بأسعار خيالية دون أن يطالهم من جراء عمليات البيع المتكرر ضرائب حقيقية بل ضرائب وهمية لا تتناسب مع قيمة الربح التي يحصل عليها المواطن جراء تجارة العقارات مما زاد كلفة البناء مع ضعف القدرة الشرائية للمواطن السوري بسبب ضعف الرواتب وعدم وجود مؤسسات إقراض حقيقية تساعد المواطن على امتلاك منزل وغياب شركات الرهن العقاري التي تساعد في تنشيط سوق العقار ومساعدة المواطنين على امتلاك مسكن.
ومن الأسباب أيضا غياب الدور الحقيقي للقطاع الخاص في المساهمة في حل الأزمة العقارية في ظل بيئة قوانين استثمارية شجعت الاستثمار في العقار الفاخر أو الترفيهي بعيداً عن الاستثمار في مجال (السكن الجماعي) الذي تحتاجه السوق السورية.
تراجع دور الجمعيات السكنية التعاونية والتي ساهمت في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي في تأمين السكن الاجتماعي بسعر الكلفة وعدم دعمها من خلال توزيع الأراضي عليها من قبل الدولة.
من هنا نرى أنه يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاسعافية من قبل الحكومة التي تساهم في خفض سعر العقارات والتي يجب أن تبتعد عن منطق الروتين والفساد مما يحقق نهوض اقتصادي وإعادة دوران العجلة الاقتصادية لتحقيق شفاء هذا القطاع الهام والذي يشكل جزءا هاما من الاقتصاد السوري ويمس حياة معظم المواطنين وخاصة الشباب وأبرزها: تطبيق قانون القيمة المضافة على العقارات بشكل واقعي ينسجم مع أسعارها الحقيقية في السوق بحيث يدفع المواطن الذي يملك أكثر من عقار سكني وخصوصاً في منطقة واحدة ضريبة تجارية حقيقية وليست وهمية تزداد سنوياً حسب فترة امتلاكه للعقار.
إضافة إلى إنشاء مؤسسات تقنية فنية متخصصة بتقييم أسعار العقار على اختلاف أنواعه (سكني – صناعي – تجاري – سياحي – أرض زراعية – أو منظمة .. ) ولا يجوز إتمام عملية البيع والشراء دون هذا التقييم الذي يوزع دورياً على مكاتب الوساطة العقارية التي يجب أن تكون مرخصة أصولاً وفق شروط منطقية.
كذلك وجود نقابة للوسطاء العقاريين والشركات العقارية تحافظ على حقوقهم وتطالبهم بدفع الضرائب عن عمليات البيع والشراء والوساطة وتحدد شروط تنظيم مهنة الوساطة العقارية.
تفعيل دور قطاع التعاون السكني من خلال تسهيل حصوله على القروض وتوزيع الأراضي المعدة للبناء.
ومن الضروري تفعيل دور القطاع الخاص المنظم في عملية التطوير العقاري وخصوصاً (الرساميل المتوسطة والصغيرة) من خلال تطوير عقاري لصغار المستثمرين وليس فقط لكبار المستثمرين وإعطاء ميزات للاستثمار العقاري في مجال السكن (الاجتماعي) أو الرخيص والذي يناسب دخل المواطن السوري الضعيف نسبياً مقارنة بأسعار العقارات.
وفتح مجالات استثمار جديدة أمام المواطنين والمدخرين كتفعيل دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإعطائها ميزات حقيقية تدفع المدخرين لاستثمار أموالهم فيها بدل من دفنها في العقار ورفع ثمنه، و التوسع في المخططات التنظيمية للقرى والبلدات وزيادة مساحة الأراضي المعدة للبناء والتوسع الشاقولي من خلال زيادة عدد الطوابق وخصوصاً في مراكز المدن والبلدات.و اتخاذ إجراءات اسعافية لإعفاء مواد البناء من الرسوم الجمركية لتأمين حاجة السوق منها والتعويض عن ذلك بضريبة القيمة المضافة على الاتجار بالعقار وخصوصاً السكني.
أخيراً :
مما سبق نرى أنه لو أخذت الإجراءات السابقة على محمل الجد وطبقت فعلياً بعيداً عن الفساد والروتين سنجد تحولاُ حقيقياً في أسعار تداول العقارات ، ونشاط للسوق العقارية السورية يساهم في تسريع عملية إعادة الإعمار وامتلاك المواطن والشاب السوري لمنزل سكني أصبح حلماً في الفترة الماضية.
منار الناعمة