لولا المحبّة إذ هلّت بوارقًها يوماً..على الأرض ما كنّا لنتواجد ، الأنبياء قالوا :» أحبّوا..الله محبةٌ».
والفلاسفة قالوا إن الحب أعلى درجات الفعل الأخلاقي..
وقال أحد المهتمين: كانت الأرض خربةً اشتعلت حواء عشقاً فعمرتها..ويستطرد..حتى إذا سُلبت منها جذوة الحب ترمّدت ..وعادت معدناً بارداً وقاعاً صفصفا وحطاما»
ويقول الفلاح::» أوثّقُ تاريخي على تموّج رقصة العشق بين الأرض والسماء، فكلما تاقت الأرض صعّدت بوحها صلاة فتغمرها السماء ..وإذ بها اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج»
واليوم فشقائق النعمان تزهو بوجد شهيدٍ تغلغل دمه في الأرض عشقاً..
في ملكوت الحب تشفُّ أكثر المخلوقات قسوةً وجلافةً..ترقُّ..تتأنسن..ولكن أيّ إنسان؟؟!! وإنسان اليوم مريض، طمس السقمُ على قدراته، فهو عاجز عن الاستيعاب، ويعاني من الألم والحرمان، وهو يتهافت منغمساً في مفردات مقتنياته، فيما يظنّه مصدراً للذة، وهروبا من الألم، وذلك حين يبتعد طوعاً وكرهاً عن طريق التأمّل والاستغراق في البحث عن المعنى بما هو فوق تجسّمات العدم..فيبتعد عن الطريق..إنسان اليوم انحدر إلى درك العبودية والتوحش لدرجة تأنفها الوحوش التي صانت نبل عفويتها ..فهو يقتل لا دفاعاً عن حياته ، وينتزع اللقمة من أفواه الضعفاء لاعن جوع، ويزاحم على مكان يتسع له ولشركائه في أرضٍ وجدت للجميع يمتصّ نسغها وحده، ويندحر ، وينتحر، وينقرض، وهو يحسب أنه يصارع ليبقى..ويعمى عن حقيقة يبحث عنها ..ورحلة البحث عن الحقيقة لن تكتمل طالما أن الإنسان عبداً للضرورة إلا عبر ومضات، وإشارات، تتناسب مع قدرته على تحمّل بلوغها عبر ثنائية الموت والحياة ، وهما وجهان لحقيقة واحدة : فمن حياة هي مدخل لمعبر وعاء الجسد إلى مخرج هو الموت الذي يسلمنا إلى مدخل حياة أخرى تحددها آثارنا ومارسمته خطواتنا ، وهذا مايلخّص ثنائية محدودية الإنسان ، ومُطْلَقَهُ في آن واحد.
وهذا ليس يأساً ، بل أؤمن أن الانسان ، ذلك السامي ، كبير الخطاة ،سيتعلّم ، وسيصل إلى حقيقته من خلال هروبه من الألم ، وتخبّطه في الخطأ والخطيئة باحثاً عن الحب، سيصل إلى ضوئه اللائق حين تسنفذه الروح الإنسانية وهي في نزعها الأخير، وإلاّ ،ستكون حياته مجرّد هزيمة ..
أدرك أنه من الصعب أن نمسك بأشعة الشمس ، ولكن، من الأجدر أن نحاول، بل من الواجب أن نفعل، حتى لو حرّقتنا الخيبة ، فنحن مكلّفون بذلك إنسانياً ، فلنرفض ماهو ناجز ومستهلَك، ولنسع حثيثاً لبلوغ كينونتنا العارفة ،العالمة ، الناطقة، العاقلة، الشاعرة، المضيئة، المحبّة، لكي تمتدّ ظلالنا على أرحب مساحة .
غادة اليوسف