لم نحاول يوماً ترك الوطن ، لأن من لا وطن له لا انتماء له و من لا وطن له يضيع في ترهات الدروب .. من لا وطن له يقتله الحنين .. فثوب العيرة لا يدفئ و النبتة الأصيلة لا تنمو في تربة الآخرين .
من هاجر إلى بلاد الغربة بحثاً عن الرزق عاش أسوأ أيامه لأنه لم يستطع الاندماج خارج البلد عانى أمرّ الغربتين .. غربة الروح و غربة الوطن ..
الوطن بخير و مادام بخير فلنحافظ على مكوناته و ثرواته و قدراته بالمواجهة حيناً و بالتكافل حينا آخر .. و لتلهج ألسنتنا دوما بمقولة « مستورة و الحمد لله «لأننا نعيش في وطن منيع ، لا يقبل الذل ، يليق بمن مثلنا صابرون رغم الصعاب.. الزمن الرديء تهب رياحه علينا في كل حين ، لكننا ما زلنا نقف على أرضنا الصلبة و مازلنا ننعم بالدفء والأمان طالما سقف الوطن يحمينا و يظلل أيامنا و ليالينا.. لا نخاف من المجهول في ظل وطن ما زال يقينا من صقيع قاهر ورغم المعاناة ما زلنا نمشي بخيلاء في شوارع وطننا نحاول كتابة تاريخ مشرف ، تاريخ وطن صامد.. تاريخ مواطنين يتحدون المستحيل ما زالوا يعطون و يقدمون عصارة جهدهم و عقولهم ليكبروا و يكبر الوطن بهم …
عشنا أزمات صعبة و ما زال أمامنا الكثير لكننا ما زلنا نقول « نحن بخير « هجرنا من بيوتنا ، سرقت أغراضنا ،و لم يبق لنا سوى بقية ذكريات حزينة لكننا نهضنا من جديد كما تنهض العنقاء من وسط الرماد .. أثثنا بيوتاً جديدة رغم الغلاء الفاحش ، رممنا حزن السنين و ما زلنا نقول « الحمد لله «كل ذلك لأننا وقفنا مع الشرفاء المضحين بحياتهم ليكتبوا مجد الوطن فكانوا خالدين …
فطوبى للجنود الذين لا تنام عيونهم رغم البرد و رغم الثلج ، طوبى للشهداء أكرم من في الدنيا و أنبل بني البشر، طوبى للأمهات اللواتي أنجبن الأبطال و ما بخلن بالعطاء ..طوبى للأيدي الشريفة و النظيفة من العمال و الفلاحين الكادحين الثابتين في معاملهم و حقولهم ووظائفهم المختلفة و الذين كان و مازال شعارهم الوطن أم و الوطن فوق الجميع ..
عفاف حلاس