لعلكم تتذكرون العصفورة التي كانت تقول في ماضينا الممتد إلى الطفولة , وكنا نحار في أمر هذه العصفورة التي تعرف أخبارنا دون أن نبوح بها أو نصرح .. وكم أخذتنا الظنون في أمر هذه العصفورة عندما كنا أطفالاً , وكيف نقلت أخبارنا إلى أهلنا وتفاجأنا بمعرفتهم ولم نكن يومها ندرك تلك المقولة التي تصلح لكل زمان ومكان :- إذا بحت بأسرارك للرياح فلا تعجب إذا باحت بها للأشجار –واليوم تعود العصفورة لتقول بل لتصرخ ملء فمها , ومما قالته لي العصفورة أن أحد مدراء المدارس ظل مصراً إصراراً كبيراً وملحاً إلحاحاً عظيماً على انتظام الدوام في مدرسته في اليوم التالي حتى ما بعد منتصف الليل , وعندما اتصل به أولياء الطلاب وسألوه : هل لديك تدفئة في المدرسة , قال : ليلبس الطلاب كل ثيابهم السميكة فوق بعضها وليلتفوا ببطانيات .. المهم أن يداوموا على الرغم من البلاغ الرسمي بإيقاف الدوام بسبب الأحوال الجوية القاسية وهنا تمتم أحد الأولياء : سأرسل ولدي ملتحفاً أيضاً وليس مثقلاً باللباس ومتبطناً بالبطانية فحسب .
وقالت لي العصفورة : إن محطات وقود كثيرة تبيع – المازوت – الحر , بأربعمئة ليرة لليتر الواحد , فالعبوة البلاستيكية ذات العشرين ليتراً نظرياً بثمانية آلاف ليرة سورية عداً ونقداً , وإذا لم يعجبك فبلط البحر وارتجف ما شاء لك الارتجاف واكتب قصائد وزجليات وقراديات في بكاء المئة ليتر القانونية أو النظامية التي لم تستلمها بعد , فلن يسمعك أحد , فالصمم سيد الموقف .
وقالت لي العصفورة إن – سوزوكيات – مشدرة تحمل جرار غاز ملأى تجوب في بعض المناطق وأمام أبواب بعينها يرتفع الغطاء آلياً وتترجل جرة الغاز وتسير غندورة وتدخل البيوت كاشفة عن رأسها فمهرها غال , ومن طلب الحسناء لم يغله المهر .
بينما المواطنون البسطاء المسجلون في مراكز نظامية مضى على انتظارهم أكثر من شهرين ,ومازالوا ينتظرون – تكميل – أن يرسل لهم رسالة تنقل إليهم الخبر السعيد بل الأسعد حالياً .
وهم اليوم في حيص بيص من أمرهم فتكامل وخلال أسبوع فقط قلصت المدة لاستلام جرة الغاز بعد إرسال الرسالة من ثلاثة أيام إلى يومين ثم الى يوم واحد , نعم الى أربع وعشرين ساعة وإذا لم يحضر خلال الأربع والعشرين ساعة راحت عليه وخسرها وكأن تكامل يريد إعطاءنا درساً في أهمية الوقت وأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك , متناسية أن الأربع والعشرين ساعة فيها الليل وفيها دوام هذا المواطن البسيط .
وقد قالت لي العصفورة : إن طبيب أسنان أقسم يميناً معظماً أنه إذا وصلته الرسالة ومريضه على الكرسي سيترك فمه مفتوحاً والملقط والمشرط في فمه وسيسرع إلى المركز المحدد , وأن مدرساً أقسم بالأنبياء والمرسلين سيترك صفه ويمتطي أسرع مركبة لاستلام جرته قبل فوات الأوان ودق الحزن بالجرة والميزان .
د. غسان لافي طعمة