تحية الصباح… من تراثنا الجميل

ثمة جماليات كثيرة في تراثنا القريب، وحين أقول: تراثنا أعني أكثر ما أعني الأمثال الشعبية والأغنيات التي حفظناها منذ طفولتنا , ولكننا اليوم نستعيدها رغم أنوفنا لأن واقعنا الآن أخذ يناقضها مناقضة صارخة ، بل يحاول أن يطمسها ويخفيها فيصبح من السذاجة والسخافة تكرارها .
ومن هذا التراث أغنيات رددناها وحفظناها منذ أكثر من نصف قرن ، فكم غنت شحرورة الوادي صباح للحياة البسيطة التي يحياها القرويون في قراهم: عالبساطة البساطة ياعيني عالبساطة ، وكيف عبرت عن رغبتها الجامحة في العيش إلى جانب الدرويش لكي يفرش لها الزيتون والجبن على العشاء، ويفرش لها البطاطا على الغداء ، واليوم لو حاولت إحداهن أن تغني الأغنية ذاتها لغصت بستمئة ليرة ثمن كيلو الزيتون ، وبألفي ليرة ثمن كيلو الجبن، وشرقت بأربعمئة ليرة ثمن كيلو البطاطا حتى كادت تشرق بها على طريقة المتنبي في تلقيه خبر وفاة أخت سيف الدولة التي كان يحبها ولكنه يخاف بطش أخيها :
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بأمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ً
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
ومن منا ينسى نداء وديع الصافي الحار إلى ابنه ألا يتزوج – سلمى- ابنة المدينة المتعودة على الرقص ليليا ً ولاتملك شيئا ً من الحنان عليه، وأن يتزوج – ليلى- ابنة ضيعته التي إن جارت عليهم الأيام تعيش على الزيتون والجبنة .
وهذا التراث الغنائي الجميل المعبر عن مرحلة السعة والبحبوحة، كان مقترنا ً بسفر من الأمثال الشعبية لاتقل عنه تعبيرا ً عن المرحلة، فكان الناس يعبرون عن الأشياء الكثيرة المتوفرة بالقول: – مثل الكشك- أما اليوم فالكشك نادر والكيلو غرام منه ناطح الستة آلاف ليرة إذا كان هذا الكشك حقيقيا ً ونقيا ً ، وحتى المقولة التراثية الشعبية الرائجة: أرخص من الفجل- لم تعد صالحة أو مقبولة ، فحتى الفجل رفع رأسه وقال: محدا أحسن من حدا !! بماذا يفوقني البصل الأخضر أو الخس والبقدونس ؟!!
ولعلكم تتذكرون مقولة : – العز للرز والبرغل شنق نفسه- فقد كان البرغل وهو محلي الهوية يغار من الرز المستورد،وينظر إليه نظرة غيظ وكيد، ولكن البرغل اليوم .. وهو مسامير الركب كما يوصف- فقد شمخ وملك العز كالرز وأكثر بل صار ينظر نظرة طموح إلى اللحاق بالفريكة :
ولذلك صرنا نعود إلى التراث القريب، تراث الفنان زياد الرحباني، والفنان جوزيف صقر، ونزل السرور وغيره .. والطلب من رضا أن يسمع:
اسمع .. اسمع يا رضا.
– ولكن ماذا يسمع؟.
كل شيء عم يغلي ويزيد البارحة كنا على الحديدة
واليوم صرنا على الحديد .-
وكيف يستغرب أن الخسة التي يحملها بيده قد سجل سعرها في الجريدة ولذلك يطلب أن يأكلها بسرعة .. لأن كل يوم يحمل سعرا ً جديدا ً ! . ولقد كان بودي أن أتحدث عن جماليات أخرى مختلفة ، كامتناع الابن مهما كبر عن التدخين أمام أبيه احتراما ً لأنني صرت أرى الأبوين مع ابنتهم وهي لم تغادر التعليم الأساسي، ومع ذلك فإن الأب والأم يتبادلان معها نربيج النرجيلة في الأماكن العامة !!

د . غسان لافي طعمة

المزيد...
آخر الأخبار