تكثر في عالم الأدب والنقد النظريات النقدية التي تقف وراءها فلسفات و تيارات فكريّة تخلقها وتعطيها أشكالها ،ومن هذه النظريات :التفكيكية والتركيبية وإذا أردت أن أبسطها أقول: إن التفكيكية أهي محاولة الدارس أو الناقد أن يفكك العمل الأدبي إلى مكوناته الجزئية جزءاً جزءاً ،سواء أكانت هذه الأجزاء معنوية أم أسلوبية .
ثمّ تأتي التركيبية وهي محاولة الدارس أو الناقد إعادة تركيب هذه المكوّنات أو الأجزاء وفق رؤيته التي هي نتاج أهوائه وميوله الناتجة عن فلسفته ومصلحته ،وأعتقد أنّ هذه التفكيكية قد شخصت في عالم السياسة أكثر ممّا شخصت في عالم الأدب والنقد ،ولا أدري أهي أسبق في ميدان الأدب أم في ميدان السياسة؟!
ولكنني أدري أكثر من أي وقت مضى أنّها حاضرة في عالم السياسة حضوراً صارخاً ،وهذا يدفعني إلى استحضار المؤتمر أو الاجتماع الذي عقد في مدينة غازي عنتاب – في تركيا عام أربعة بعد الألفين ،أي بعد اجتياح العراق من قبل القوات الأمريكية .وقد حضر هذا المؤتمر أو الاجتماع صهاينة وأمريكيون وأتراك وسعوديون وقطريون لوضع اللمسات الأخيرة لما يسمى فيما بعد زوراً وبهتاناً – الربيع العربي – وكان ممثلو – الموساد الصهيوني – والسي آي إي – الأمريكية ، والعدالة والتنمية الحزب العثماني الإخواني قد جهّزوا النظرية التفكيكية ،بينما كان الحضور السعودي القطري من أجل التمويل فقط ،وتقوم هذه النظرية التفكيكية على تفكيك الدول المحيطة بالكيان الصهيوني إلى كيانات صغيرة قزمة قائمة على أسس واهيّة أي على – هويات قاتلة – كما عنونها الأديب أمين المعلوف في كتاب له ، وهذه الكيانات المفككة تتصارع مع بعضها البعض ،بينما الكيان الصهيوني سيكون برأيهم واحة الحضارة والأمان في وسط صحراء تتصارع رمالها وضبابها و حرادينها وأفاعيها وبعد هذا التفكيك المزعوم ،تأتي التركيبية ، فيقوم الكيان الصهيوني بإعادة تركيب هذه الأجزاء المبعثرة لتحقيق حلمه في الدولة الصهيونية التي لا حدود لها ،ويقوم العثماني الإخواني بتركيب أجزاء الرجل المريض أي الدولة العثمانية – الذي مات منذ الحرب العالمية الأولى .
وقد بدأ تطبيق هذه التفكيكية والتركيبية بخطوة أولى بعد عام من انعقاد مؤتمر –غازي عنتاب – باغتيال رئيس وزراء لبنان –رفيق الحريري –من قبل الكيان الصهيوني وتسارعت الأحداث ليبدأ ربيع الدّمار العربي يهلل له :الصهيوني الفرنسي : برنارهنري ليفي- والسفير الأمريكي –فورد- والعثماني الإخواني –أردوغان- الذي يريد الصلاة في المسجد الأموي في دمشق –عنوة- ولذلك علينا ألا نفاجأ بما يفعله –أردوغان – فالقناع لم يسقط عن القناع ،لأنه لا يوجد قناع أبداً ، ولكن علينا أن نقرأ ونحلل ونستنتج وأن نواجه التفكيكية والتركيبية بثقافة المقاومة فليس لدينا سواها من ثقافة لمواجهة التفكيك والتركيب والشرق الأوسط الجديد !!
د. غسان لافي طعمة