في زمنٍ سيطرتْ فيه القنواتُ الفضائيَّةُ على عيوننا، ووسائلُ الاتصالِ الحديثةُ على عقولنا، بتنا نسمعُ ونرى المتنطِّعينَ من الكبيرِ والصَّغيرِ، من الأميِّ والمتعلِّمِ والمتفائلِ والمتشائمِ، من الغنيِّ إلى الفقيرِ، كلٌّ يدلي بدلوهِ كما يحلو له دونَ علمٍ أو درايةٍ، هذا سمعَ وهذا رأى، وهذا يرى وهذا يريدُ وهذا يتوقعُ وهذا يتَّهِمُ ويريدُ أن يحاسبَ، وهذا يلفِّقُ التهمَ جزافاً، ويبدو أنَّني أبيتُ إلَّا أنْ أكونَ من هؤلاء المُتنَطِّعين دونَ علمٍ أو درايةِ. في البدايةِ ترى العباقرةَ وهم يكيلونَ التُّهمِ وكلُّ واحدٍ منهم يسوِّغُ اتهامهُ على أسبابٍ مقنِعةٍ حسبَ زعمهِ. منهم من قالَ : أمريكا ومن ورائها الصهيونيةُ العالميةُ هي التي نشرتْ فيروس كورونا لتنشر الفوضى في العالمِ، ولتبقى أمريكا القطبُ الوحيدُ الأوحدُ وقد أحسَّتْ أنَّ البساط بدأ يُسْحبُ من تحتها ومتَنَطِّعٌ آخر يقولُ: بينما كانتْ باكسْتان تُجري بحوثاً وتجاربَ على أسلحةٍ جرثوميَّةٍ تفلَّت منها فيروس كورونا ونشرَ الموتَ في كلِّ بقاعِ الأرضِ. وهناكَ مقالاتٌ تلفزيونيةٌ ومقالاتٌ صحفيةٌ في السعوديةِ تتهم المجنون أردوغان بأنه نشر هذا الوباءَ في أوروبا. بينما يرى آخرون أنَّ الوباءَ قد انتشر في أمريكا وأوربا انتقاماً منهم لحروبهم التي يشنُّنها على شعوبِ العالمِ. لقد نسي كلُّ هؤلاء الذينَ يرمونَ التَّهم جزافاً بأنَّ الذي نشر الوباء إن كان من صنْعِ صانعٍ فلا بدَّ أن يكونَ قد أوجد الدَّواءَ الذي يحمي به نفسه عند الضرورةِ، وهذا ما لم يحصل فقد انتشر الوباءُ في الدُّولِ المتَّهمةِ رغم قوَّتها وعظمتها انتشار النَّار في الهشيمِ وهي غيرُ قادرةٍ على كبحِ جماحهِ، بل إنَّها بدأتْ تطلبُ المساعدةَ منَ الدُّولِ الأقلِّ شأناً منها. لقد فاتَ هؤلاءِ الذين يلقونَ التُّهَمَ جزافاً بأنَّ هذه الدُّولَ التي تتهمونَها قد عانتِ الأمرينِ منْ هذا الوباءِ وهذا ما رأيناهُ في الصينِ وأمريكا وإيطاليا واسبانيا وفرنسا وغيرها.المصيبةُ أنَّ هذا الفيروسَ اللئيمَ يغيِّرُ منْ شكله وصفاتِهِ، فهناكَ فيروسٌ فرنسي وآخر إيطالي وثالثُ اسباني، وأولُ نوعٍ كانَ الفيروسُ الصِّيني. يبدو أنَّ الحجرَ الصِّحي أنجعُ وسيلةٍ للحدِّ من انتشارِ هذا الوباءِ، ولكن يجبُ أنْ تؤمَّنَ حاجِيَاتُ النَاسِ ومتطلَباتُهم الحياتيةُ والوقائيةُ. هناكَ العديدُ منَ النَّاسِ باتوا يظنُّونَ أنهم على علمٍ ودرايةٍ فراحوا يقدِّمونَ النصحَ بتناولِ مشروبِ الزَّنجبيلِ، والإكثارِ من شربِ السَّوائلِ أو استخدامِ خلطاتٍ معيَّنةٍ للقضاءِ على الوباءِ.ٍإنَّني هنا أتساءلُ عنْ رحمةِ هذا الذي صنَّعَ كورونا ليجعلَ الوباءَ يختار الدُّولَ العُظْمى القويَّةَ، وتركَ الدَّولَ المنهكةَ بالأصلِ والتي هي منْ أضعفِ الشعوبِ، ثمَّ إنَّ اختيارَ الفيروس للكبار في السِّنِّ والذينَ هم بالأساسِ مصابونَ بأمراضِ مزمنةٍ، وإن لم يمتْ بالكورونا سيموت بغيرهِ، وما هي عدالة هذا الفيروس الذي لا يقتربُ من الأطفالِ إنْ كان من صُنْع صانعٍ، والخوفُ كلُّ الخوفِ أنْ يتفشَّى هذا الوباءُ في البلادِ الأشدِّ فقراً وبالبلادِ التي تشهد حروباً وأزماتٍ عندها فإنَه لن يبقي ولنْ يذرَ. على كلِّ حال، وعلى الرغمِ منْ الانتشارِ السَّريعِ المروِّعِ لهذا الوباءِ إلَّا أنَّ ضحاياهُ أقلُّ بكثيرٍ منْ غيرهِ من الأوبِئةِ وهذا يطمئن نوعاً ما وخاصَّةً وأنَّ عددَ الوفيَّاتِ في تنازلٍ، وهناكَ أملٌ أخيرٌ كما يقولُ البعضُ وهو اندحارُ أو انحسارُ الوباءِ عندما ترتفعُ درجةُ الحرارةِ مع أنَّني شخصيَّاً لا أعتقدُ ذلكَ لأنَّ هناكَ دولاً درجةُ الحرارةِ فيها مرتفعةٌ ومع ذلك فإنَّ الوباءَ قد انتشَرَ فيها. وأخيراً لا يسعني إلَّا أنْ أتعاطفَ معَ الكوادرِ الطُّبيةِ أطباءَ وممرضينَ الذين يقومون بأهمِّ عملٍ إنسانيّ.
جمال قاسم السلومي