أتاح لي الحجر المنزلي فسحات للتأمل الطويل والقراءات المتأنية لكتب قرأتها من زمن بعيد , أولم أقرأها بعد مشاركتها الاقامة في منزلي لأن الوقت ضيق ومما قرأته الآن ولم أقرأه سابقاً رواية الأديب الصديق : حسن حميد – الرائعة : جسر بنات يعقوب . وكتاب – المجمل في فلسفة الجمال – للفيلسوف : كروتشه ترجمة الدكتور سامي الدروبي الذي صدر في طبعته الأولى عام سبعة وأربعين وتسعمئة وألف . وتأملاتي وقراءتي دفعتني الى كتابة هذه الخربشات على جدار الحجر المنزلي المحدود نسبياً , ومنها أنني أدركت أكثر من أي وقت مضى أن الخوف لا يولد بسبب عوامل خارجية , وإنما هو عنكبوت سام يعشش في أعماق النفس , وهذا العنكبوت عشش في نفوس كثير من الناس الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم . وأدركت أن الخوف من المرض أشد على صاحبة من المرض نفسه , لذلك سبب الخوف للكثيرين ندوباً نفسية كادت أن تتحول إلى أمراض جسدية لحاملها ولمن حوله أو يقيمون معه في بيت واحد . لقد أيقنت أن الندوب النفسية مؤلمة وآلامها لا حدود لها , إنها تمثل مأساة حقيقية وهي أن يكون الإنسان مهزوماً نفسياً واجتماعياً وثقافياً وإنسانيا .. وهذه الهزيمة تجعل الإنسان يتصور كل شيء مستحيلاً فيختنق بالخوف يختنق بالخيبة وتمتلئ روحه بهما حتى لا يرى غيرهما . والخطر الأكبر أن يتحول فكر الهزيمة إلى فكر أصيل , وليس كما نراه ونصر على رؤيتنا أنه فكر دخيل . ولقد أدركت قبل أي وقت مضى على أن ثقافة الكلام ثقافة فارغة لأنها ثقافة التخلي عن العمل الصالح الكلام المنمق وتسويق الشائعات بعد تجميلها وزركشتها لإعطائها المصداقية ولو إلى حين قصير . كما أدركت أن طهارة الأفكار تبعد عن الإنسان الخوف لأن الرداءات والبذاءات تولد الخوف ولذلك أقول للخائفين : ثوروا على ذواتكم , ثوروا على الفكر الانهزامي , اقرؤوا كتاب الحلم الواسع المديد, عليكم أن تعيشوا عالم الأحلام النبيلة , هذه الأحلام النبيلة التي تعطيكم طاقة حيوية متجددة , وتضفي على الأشياء مظاهر جمالية لم نكن نشعر بها من قبل فإذا الوردة غير الوردة والوسادة غير الوسادة حتى الجدران لا تشبه الجدران . يجب علينا أن نتماسك حتى آخر لحظة , أن ننفض عن كاهلنا أي غبار للخوف من أي شيء , الظلمة تنتهي والشمس تطلع ونغني مع الشيخ سيد درويش : طلعت يامحلا نورها شمس الشموسي !!
د. غسان لافي طعمة