لا ترِبت يد ندية بانكماش حال , ولا جف بليل ريق لسان , يحكي كل منهما سبق خير في سعادة عطاء , و إشراقة عمل , وبوح جمال , أكان في ساعد يبني أم راحة كفّ , مابين انبساطها طمأنينة بال , وحراك أناملها شدوَ عزف على قيثارة تسابق نغماتها النسمات العِذاب أو رسم يلون شغاف لوحات توقع ألوانها شميم ورود تضج بها الألوان أو تدوين حروف تتمطى صوب شاهقات كلمات , أم شارة عز تواكب فرح الصوغ في مهابة كل سخاء معطر بالشذا و الريحان يضوع العبير أصورة مطارح الآمال الواعدات غايات و رؤى وتصورات فتكون اليد وقع الأصيل ضياء سعة رأد الضحى شرفات شرفات .
هي اليد البيضاء عطاء , والخضراء عطاء العطاء قيمة مضافة عبر تقدير يتوج بهاء العمل بأناقة السعة الوجدانية والرزانة العقلية ثقة بالنفس حيث نجاح المرء في اجتهاد يزدان اجتهادا و يتوّج رقيا بتقدير يورق نعماء محبة عبر اخضرار يد تكافئ فتوسع لغيرها في الحياة مكانا من غير ضيق .
و إذا ما أنعمنا النظر و أمعنا فيه تراثا سرعان ما نقرأ ما يشي بعظات تختزن كرم نفوس أبية عاقلة لاتفرط بقيمة نبل أو رحابة مدى , أو غنى تجربة في تكاملية تبادل خير بخير فتلاقى بذلك اليد البيضاء مصافحة اليد الخضراء , وكلتاهما لا يد سوداء بينهما مسدلة بسواد نكران لمعروف أو قيمة لفعل راق .
في حمص … وقد حضرت النبالة في تماثل سلوك بذرة موقف راسخ في مدونة التراث قصة ذات مغزى في كبر , وحضور في وعي , و اغتباط في رسالة كلماتها مناهل تسقي العطاش الهيم في لاحقات كل قراءة تقرأ فتنتبه تمنيا لقاء إنسان بإنسان .
إنها حمص حيث التقى فيها الطائيان أبو تمام المولود في (جاسم) و البحتري من (منبج ) وقد علا سطوع نجم أبي تمام الذي عهد عنه حدة الذكاء و تمازج الثقافات من فارسية وهندية و عربية و يونانية لتأتي قصائده واحات مخضوضلة بيانعات الثمر و سحر القوافي و الفاتنات مضامين سجع اتقاد العاطفة , و جذوة الفكر و حصافة الجدل الفلسفي و ثراء الموضوعات عناوين في ضروب الأغراض و شعاب الواقع معارف و خبرات ليغدو الشاعر الذي وجد فيه الناس أحجية استقصاء في بلاغة منطق و عمق معنى .
هذا الشاعر الذي وقف أمامه البحتري يافعا في قوافيه فلما سمع أبو تمام البحتري لم يكتف بالثناء عليه على عجل أو بمهابة حضوره قياسا بما سمع الناس عنه فاستعلى بل بتواضع المتجذر ثقة فقال مجيزا له و معجبا و مقدرا له : ( ويحك يا غلام لقد نعيت إلي نفسي ) وما إن ذاع صيت البحتري مكرما من ولاة عصره غنى حتى اشتد ساعده و علت مكانته و هو صاحب الديباجة العربية الأصيلة الطافحة سليقته وضوحا ليصير البحتري الطائي صنو الطود الباذخ في ناهضات راسخات شاعرية وشعرية و شعراء استقر بها العصر العباسي مرجعية زمان لتمضي بها السيرورة على مدى من آفاق و ما إن كبرت به الأيام و الآخرون و سئل عن سر عظمته شاعرا فكان اخضرار الحروف أيادي تورق نماء و عرفانا ( إنما أكلت الخبز بأبي تمام ) أجل ! لا يذهب العرف عند ذوي الشهامات في سداد قول الحق إنصافا وهذا لا يدل على غنى في النفس ثقة فحسب , بل يعمق دلالة التواد و التراحم و الاغتباط و السعادة أن يتكوثر فعل السمو في نضارة كل أريحية , و حفاوة كل تواصل , فالمرء الطافح ثقة و نجاحا و خبرة و دراية بأمر و متوج بالفطنة الذكية المشرقة حبا و تفاؤلا بالناس و الحياة يمضي هكذا دوام عطاء و فرح اغتباط بغيره .
إن هذا يتجاوز خير إنسان بإنسان في شمولية تقدير , و رقي سلوك لأنه يصبح فكرة تنسرب في أعطاف النمو الإنساني و الحضاري عبر دروب الحياة و الناس معا إن التسامي في التأثر و التأثير سواء قيمة و قامة أمر يجتهد فيه سلوك فيقدر , لكنه نبل تزدان به قلاع القيمة العليا للإنسان قيمة كبرى في ماهيته كينونة وجود.
نزار بدّور