مقدّمة بمنزلة التّمهيد:
“أخيراً سقطت آخر عصابة مجرمة في فخّ العدالة، وفُتِح السّتار عن أسرار جريمة غاية في البشاعة، لكن هل يمكن القول: إنّها جريمة واحدة فقط؟ بالتأكيد، لا، بل كان للجريمة صور متعدّدة، وأشكال بانوراميّة شتّى، بحيث كانت مسلسلاً متشابك الحلقات، وسلسلة معقودة الخيوط لواقعٍ أسودَ شديد الغرابة، لكنه في غرابته كان أشْبَهَ بميلودراما الأفلام الهندية القديمة، الممزوجة بالخيال المُجنّح، والتّحليق إلى مسافات بعيدة.. مع الفارق أننا هذه المرّة نقف على ميلودراما مُستمدّة من صميم واقعٍ حياتيٍّ مَعِيش، بَطلاهُ السلبيّان: ناظم، ونظميّة، قد جمع بينهما الوسواس الخنّاس، في لعبة الحَرَام، وسوّلت لهما المخدّرات أنْ يرتكبا جملة من الأعمال الفظيعة، قبل أنْ يسقطا ذلِيلَين في قبضة العدالة، ليواجها معاً العقاب الأوْفى الذي يستحقّانه..
في البدء، لم يُولَد “ناظم” مجرماً، بل نشأ وترعرع ضمن أسرة بسيطة متواضعة الحال، وقد فشل في متابعة دراسته، فترك المدرسة الابتدائية، بسبب عشقه الشّديد لكرة القدم، وولعه بها إلى حدّ الهَوَس والهُيام، فقد كان منذ صغره يتمنّى أن يكون أحد نجوم السّاحرة (المُستدِيرة)، لكنّ الفشل ظلّ يواكبه ويُماشِيه كظلّه، ولمّا لم يتمكّن من تحقيق أمنيّته الورديّة، فقد اتّجه لتعلّم صَنْعة “وصَنْعةٌ في اليد أمانٌ من الفقر”، هي “إصلاح أجهزة كهربائية”، التي كانت تدرُّ عليه رِزقاً وفيراً، ورغم ذلك، فقد كان ناقماً على حياته، وعلى حظّه العاثر التَّعِس”..
أوْقعَتْهُ في شِباك الحَرَام
خلال ممارسة الشاب “ناظم” عملَه في مهنته، تعرّف إلى “نظمية”، وهي امرأة مُطلّقة، رأت في شخصيته مشروع حبيب وزوج، فقرّرت اصطياده، حتّى أوقعته في حبائلها، فبدأ الشاب قصة حبّ ملتهبة، أهمل بسببها مهنته وعمله، فتراجع مردوده المادي، فلم يعد يقوى على تسديد إيجار المحلّ، ومن يومها تفرّغ لرعاية الغالية “نظمية”، حبيبة القلب، وزهرة الرّوح، وعلى يديها تعلّم احتساء الخمر، وتعاطي المخدّرات، ونسيَ في أجوائهما تربيته البيتية، وتعاليم مجتمعه، والتقاليد الطيّبة التي تربّى عليها، وأخذ بها، الأمر الذي أثارَ حفيظة والده وغضبه، الذي أعيته الحِلة لردع ابنه عن تلك المرأة المِغناج، ولمّا فشل، لم يجد أمامه من سبيل سوى إصلاحه بالقوّة والعنف، بل وهدّده بالطّرد من المنزل، إذا لم يرضخ لإرشادات والده ووالدته، والابتعاد عن طريق الحَرَام..
ضالّته المنشودة
بالفعل ترك “ناظم” منزل والديه، ليسكن، في شقّة صغيرة، مع عشيقته، وحبيبة قلبه، تلك التي ملكت عليه جوارحه كلّها، إذ لم يعد يستطيع الاستغناء عنها بأيّ حال من الأحوال! لقد شعرَ كلّ منهما أنّه وجد ضالّته في الطرف الآخر.. بناءً عليه، فقد شرَعَت “نظمية” تستثير الطمع في قلب “ناظم”، إذ لا بدّ لهما من مصدر كبير للدّخل، يشبع استمتاعهما الجنوني بالحياة.. من هنا، فقد قام “ناظم” بخطف أحد الأطفال، الغاية من ذلك: ابتزاز أبويه، حيث طلب منهما مبلغاً عالياً من المال، مقابل إعادة ابنهما إلى أحضانهما سليماً مُعافَى، ولمّا لم يستجيبا لطلبه، قام بتعذيب الطفل، .. لكنّ أسرة الصغير، سَرْعَان ما قامت بتقديم بلاغ لأحد مراكز الشرطة حول الواقعة، لكنّ “ناظم” صاحب الشخصية الهزيلة المُنحرفة، قرّر استغلال الطفل في عملية النّصب على الناس، مُدّعياً (أنه ابنه، وأنه مريض بالصّرع، وهو بحاجة إلى مبالغ طائلة لعلاجه في عيادة نفسيّة”..
آخر الأنفاس..
ردّد “ناظم” في سرّه بطريقة المونولوج: “لا تزال الدنيا بخير، ولا يزال أهل الخير والإحسان موجودين في هذا المجتمع أو في سواه”!! بناءً عليه، فقد جمع “ناظم” مبلغاً كبيراً قصْد علاج الطفل.. وقبل أنْ يُفْتضَح أمرُه وأمرُ عشيقته، وينكشف المستور، هرب مع الطفل و “نظمية”، إلى منطقة أخرى، لكنّ القدر قال كلمته، حين لفظ الصغير أنفاسه الأخيرة، إذْ ضاقت عليه الحياة، وتعرّض لأذى كبير، على يد البرد والتشرّد وفقدان حنان الأم، وعطف الأب! فما كان من المجرم “ناظم” حيال موت الصغير سوى رمْيِه قرب منزل والديه عقاباً لهما، وانتقاماً منهما، لأنهما كانا قد قدّما بلاغاً إلى شرطة الحيّ، فما كان من قسم “التحريات والمباحث الجنائية” في المركز المذكور، سوى تكثيف دورياتهم للقبض على الخاطف الجاني “ناظم”،؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وجيه حسن