تحية الصباح … من الذّاكرة 66

بداية أرى من الضروري أن أشير إلى نقطة ذات حساسية، وهي أنّ الغاية من هذه الكتابة ليست إبراز شخص بعينه، على ما لبعض الأشخاص من فاعليّة نوعيّة، تعطيهم هذا الحقّ، ومن الأمانة ان نحفظ ذكراهم، وأن نشير إليهم بالاسم اعترافا بفضلهم، وتشجيعا لمن يجيء بعدهم، وخاصّة حين يكون المعنيّ قد غادر الميدان، لسبب أو لآخر،

-أكتب وبيننا وبين تلك المرحلة ربع قرن من الزمن، بمعنى أنّ مَن وُلِد في تلك الأيام قد بلغ الخامسة والعشرين عاما الآن، ولا يعرف شيئا عنها، وهذا، إضافة إلى حجم الاحداث التي تراكمت يجعلنا نكتب عن مرحلة أصبحت في ذمّة التاريخ، ومن واجب التاريخ أن يُنصف الناس،

– في عام 1985 دعا الرفيق خضر النّاعم، رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام في فرع حمص لحزب البعث العربي الاشتراكي ، لتشكيل “مجلس الفعاليات الثقافيّة”، ومهمّته وضع برنامج لهذه النشاطات على مدار عام، وقد تألّف هذا المجلس من :” مدير مدرسة الاعداد الحزبي، وعضو من المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة، ومثله من مجلس المدينة، ومجلس مدينة حمص، وعميد كليّة الآداب، ورئيس قسم اللغة العربيّة في هذه الكليّة، ومديرية الثقافة، ودائرة الآثار، ودائرة السياحة، وصحيفة العروبة، واتحادات العمال، والفلاحين، والطّلبة، والنسائي، ونقابة المعلّمين، وفرع الجامعة لنقابة المعلمين، والشبيبة، والطلائع، واتّحاد الحرفيّين، واتحاد الكتاب العرب، ونقابات: الفنون الجميلة، والفنّانين،والصحفيّين، والجمعيّتين : التاريخيّة، والجغرافيّة، ونوادي دوحة الميماس، ودار الفنون، والخيام، وفرقة الانشاد الغسّانيّة، وإحياء التراث، وموسيقى الشرق، والدّوحة، وصالة الكندي، ونادي السينما، والنّادي السينمائي الطلاّبي، وأسماء من الوسط الثقافي، ومديري مكاتب الصحف: البعث، والثورة، وتشرين،

-أعتذر ممّن يرى في هذا السّرد بعض الجفاف، الذي اقتضتْه طبيعة المقالة، إذ لابدّ منه، فهو سيتّخذ مكانه في أرشيف صحيفة العروبة الحمصيّة، إذ لم يُكتب عن تلك التجربة ما يليق بها، فقد كانت تجربة مميّزة على مستوى القطر،

-في الاجتماع الأوّل الذي دُعي إليه هذا الرّعيل أخبرهم رئيس مكتب الاعداد أنّه يريد من الجميع  التعاون في وضع برنامج سنويّ للنشاطات الثقافية في هذه المدينة، وكانت اجتماعات هذه الفعاليات، بشهادة كلّ مَن شارك فيها،.. كانت ديموقراطيّة، ومفتوحة، وتأخذ بالرأي الأفضل، وتفرّعت عن هذا الملتقى لجان : النشاطات الفكريّة، الأدبيّة،- المسرحيّة-، الموسيقيّة-، وعُرفت في حمص المهرجانات التالية التي أنجزها هذا المجلس: مهرجان الثقافة الموسيقية،/ الملتقى الفكري،/ المهرجان المسرحي/، وقد استمر هذا حتى عام 1994، ولك أن تتصوّر ما قُدّم على مدى تسع سنوات، ومن الأسف أن هذه النشاطات، بعد أن غادر مؤسّسها مكانه، قد بدأت تتراجع، وتتخافت، حتى غابت إلاّ من بعض النشاطات التي استمرّت،

– سأذكر حادثة كنتُ شاهدها، وما زال عدد من الأصدقاء الأحياء، مدّ الله في أعمارهم شهودا عليها،

ذات مهرجان مسرحيّ، وكان العرض لنادي دوحة الميماس، ومخرج المسرحيّة الفنان محمد برّي العواني، وكان رئيس مكتب الاعداد قد أوصى بضرورة التقيّد بمواعيد الافتتاح، أيّا كانت الأسباب، وبلغت الساعة السادسة مساء ولم يأت رئيس مكتب الإعداد، فأعلن الأستاذ العواني بدء العرض، وبعد بدئه بثلاث دقائق حضر رئيس المكتب، فجلس في مكانه، وكان يَعقُب كلّ عرض مناقشة مسرحيّة من قِبل الجمهور، وبمشاركة مخرج العرض، ويدوم النقاش أكثر من ساعة ونصف، والجمهور جالس يستمع، لم يغادر منه إلاّ القليل، وكنتُ مديرا لمنصّة النقاش طوال معظم أعوامها، وبعد أن انتهى العرض، كان رئيس المكتب أوّل من طلب الكلام فأخذ المايكروفون، واعتذر عن تأخّره تلك الدقائق، بسبب وجود ضيف في مكتبه من القيادة القطريّة، جاء في مهمّة، وجلس، فصفّق كلّ مَن في القاعة،

يُقال إنّ التعليم بواسطة السلوك المتّبع هو أفضل أنواع التعليم، سُقيا لتلك الأيام، وحفظ الله سوريّة التي ضربت أروع الأمثال في الدفاع عن حدودها، وعن كرامتها، وعن استقلاليّة رأيها، وعسى أن يكون في القادم من الأيام ما هو أفضل…….

 عبد الكريم النّاعم

aaalnaem@gail.com

المزيد...
آخر الأخبار