تحية الصباح .. شاكر مطلق وزمن الحلم الأول

قلت في وداع الطبيب الأديب الصديق: شاكر مطلق : عشت كما تشتهي وكنت في قلب الأسطورة ورحلت بصمت كأبطال التراجيديا ..

 والحقيقة أن الدكتور  شاكر مطلق عاش كما يشتهي طبيبا ً نطاسيا ً في أمراض العين وجراحتها وترك بصمته الجميلة في هذا الميدان على مدى أربعين عاما ً بين عيادته الخاصة والمستشفيات ، كما عاش  كما يشتهي في أحضان الطبيعة بعيدا ً عن صخب المدينة وتلوثها، فكان  بيته مزرعة  فيها كل  مافي الطبيعة من أشجار وأزهار وطيور وحيوانات  أليفة ، وما أبدعه الإنسان من لوحات وآثار ، وكان البيت كما كانت العيادة ملتقى الأدباء والفنانين  ولا أنسى ماعشت سهرة جمعتني في بيته مع الطبيب الشاعر وجيه البارودي وراويته الشاعر وليد قنباز والشاعر عمر الفرا ، فقد  حضر في السهرة: جلجامش وأنكيدو وخمبابي وسيدوري ، كما حضر  شعر الهايكو والتاناكا ، وشعر الشاعر الألماني: هانيرش هانيه ، وشعر الزن .

وكان الطبيب الأديب في قلب الأسطورة ، يعيد تشكيلها بدءا ً من معلقة جلجامش على أبواب  أوروك إلى تجليات  عشتار وامتدادا ً إلى زمن الحلم الأول وذاكرة القصب وتجليات  الثور البري وتجليات العالم  السفلي وتجليات الظلال ونحن ندين للأديب الطبيب المترجم شاكر مطلق بمعرفة  شعر اليابان وحكمتها من خلال ترجماته عن اللغة الألمانية لفصول السنة اليابانية ، ولاتبح بسرك للريح وعلى شاطىء الأيام البعيدة.

 كما ندين له بمعرفة بعض الشعر الصيني القديم من خلال ترجمته  أشعار الشاعر الصيني القديم: لي تاي باي، ومعرفة الشاعر الألماني : هانيه .

 ومعرفة شعر الزن والهايكو من الصين واليابان ، كما له الفضل في نشر مجموعة  كتب علمية وطبية تتعلق بأمراض العين وجراحتها .

 ويكفيه مأثرة ومكرمة أنه أسس – دار الذاكرة ، ورعاها ، وقد قدمت  هذه الدار  كتبا ً أغنت المكتبة العربية، وفي ذاكرتي الكثير من عناوين  هذه الكتب ومؤلفيها الذين أغنى حضورهم ثقافتنا كحنّا عبود ومصطفى خضر ومراد كاسوحة . ولايستطيع شاعر من حمص أن ينكر دور الدكتور شاكر مطلق في الحركة الشعرية ويكفي أن نذكر مشروعه في إلقاء الأضواء على المشهد الشعري المعاصر في مدينة الشعر الخالد، حمص العدية ، في محاولة توثيق للمشهد الشعري نهاية القرن العشرين، وقد تجسد هذا المشروع في كتاب- من المشهد الشعري – نهاية القرن العشرين في حمص الذي صدر في طبعته الأولى عام ألفين.

وقد ختم تقديمه لهذا الكتاب بالقول :

أحييكم  تحية الشعر الخالد ، راجيا ً للجميع المزيد من التألق والعطاء والتوهج في لغة أقل مايمكن  أن أقوله  فيها أنها لغة الشعر الخالد، في كل زمان .

وأخيرا ً أنحني أمام قامة  ثقافية علمية وطنية تشبثت بأرض الوطن سورية، ولم يغادرها وهو من يحمل الجنسية الألمانية إلى جانب الجنسية السورية فقد ظل متمسكا ً بهويته ببيته والمجموعات التكفيرية المسلحة تحيط به من كل جانب في – تل الشور- .

 فباقات نور وورد على مثواه الأخير ، وقد رحل  بصمت  بعد صراع  مع المرض   تجاوز السنتين ولكن هذا الصراع لم يكسر قامته ولم يحرف بوصلته عن الوطن والإنسان والفن .

 
  د . غسان لافي طعمة

المزيد...
آخر الأخبار