أدركَتِ الحكومةُ المعاناةَ التي يعاني منها المواطنُ بسببِ جائحةِ الغلاءِ، فأعلنتْ عن حزمةٍ منَ المساعداتِ لتخيفِ وطأةِ الغلاءِ عن كاهلِ المواطنِ، من ذلكَ تحديدُ عدَّةِ مواد لتكونَ بسعرٍ مدعومٍ، ولكنَّ بعض تجار الأزمة لايفتؤون يسرِّبُون أخباراً مفادها، إلغاءُ مخصَّصاتِ الأطباءِ والمهندسين، وبأنَّ من لم يأخذْ مخصَّصاتِهِ سوف يفقد حقَّه بهذه المواد بحجَّةِ عدم الحاجةِ.
وخوفاً منْ أن تلغى مخصَّصاتي بدأتُ بالركضِ منْ مركزٍ إلى مركزٍ، والمراكزُ كلُّها مزدحمةٌ وكأنَّنا في يومِ الحشْرِ، وفي كلِّ يومٍ أعودُ بخفَّي حنين.
بالأمسِ أخبرني أحدهُم بأنَّ إحدى الصالات التابعة للسورية للتجارة في السُّوقِ غير مزدحمةٍ لبُعْدها ويمكنُني الحصولُ على الموادِ المدعومةِ على أن أصلَ إلى هناكَ مبكِّراً. في هذا الصَّباحِ انطلقْتُ نحو الهدفِ ، وكنتُ هناكَ حوالي الساعة الثامنةِ ٍ، وقفتُ مع المنتظرين وأنا أسمعُ هرْجَ تخوفاتِهم: بعد قليلٍ تنتهي المخصَّصاتُ، وآخر يقول يوجد زيتُ فقط، والآخر يقولُ يوجد شاي ورزٌ، انتظرتْ لساعات ثمَّ عُدْتُ خاويَ الوفاض.
حملْتُ خيبتي وأحزاني وأنا أتحدَّثُ مع نفسي وإذ أنا وجهاً لوجهٍ بصديقٍ قديمٍ لم أرهُ منْذ أكثرَ من عشرينَ عاماً، صافحني الرجلُ بحرارةٍ وعانقني وقبَّلني بمودَّةٍ فقلتُ له منبِّهاً: الكورونا. ابتسمَ الرجُلُ وقالَ : عندما ترانا الكورونا أو تسمعُ بنا فإنَّها تموتُ قهراً وتهيُّباً.ثُمَّ سألني باستغرابٍ: ماذا تفْعلُ هنا ؟ قلتُ لقد أتيتُ للحصولِ على الموادِ المدعومةِ ولكن وكما ترى لم أحصلْ عليها بسببِ الازدحامِ . قال باستغرابٍ ودهشةٍ: هذا عهدي بكَ على مرِّ الأيّاَمِ ، فإلى متى تظلُ غشيماً وتغْرقُ في شبْرٍ منَ الماءِ ولا تعرفُ كيفَ تَتصرَّفُ بشكلٍ جيِّدٍ؟وتابعَ كلامَهُ قائلاً: ولماذا تأتي إلى هنا وهي متوفرةٌ في كلِّ مكانٍ ودونَ ازدحامٍ، أولم تسمع بآخر التَّعليماتِ؟
قلْتُ: ماذا تقولُ يارجلُ، وعن أيَّةِ تعليماتٍ تتحدَّثُ ؟
التعليماتُ تقولُ بأنَّ الموادَ المدعومةَ أصبحتْ متوفِّرةً في كلِّ المولاتِ والمحلَّاتِ التجاريَّةِ الكبيرةِ والمتوسِّطَةِ .لمْ أصدِّقْ ما قالهُ صديقي فودَّعتُهُ على عجلٍ، وامتطيتُ أولَ حافلةٍ مرَّتْ أمامي، وانطلقْتُ إلى مولٍ قريبٍ منْ بيتي فوجدْتُهُ خالياً وقلْتُ: يا عمُّ هلْ توزِّعونَ الموادَ المدعومةَ ؟
هزَّ الرجلُ رأسَهُ بالإيجابِ معَ ابتسامةٍ عريضةٍ وصارخةٍ، وبلحظاتٍ أخذَ بطاقتي الذَّكيَّةَ، مرَّرها على جهازٍ صغيرٍ، وناولني مخصَّصاتي بكلِ يُسرٍ وسهولةٍ بعدَ أنْ أخذَ ثمنها.غادرتُ المولَ بكلِّ سرعةٍ وأنا لا أصَدِّقُ ما حصلَ، ولسرْعتي ولهفتي وفرحتي تعثَّرتْ خُطواتي فانطرحتُ أرضاً. لملمْتُ أشلائي وتقزُّمَ قامتي وبدأتُ أتفقَّدُ جسدي وأطرافي ورأسي، ولكنْ ومن الغريبِ أنَّ الجوَّ أصبَحَ غائماً معتِماً نوعاً ما، نظرتُ حولي بإمعانٍ فهالني ما رأيتُ، أنا في غُرفةِ نومي بجانبِ السَّريرِ، أرتدي بيجاما النومِ، وقد سقطْتُّ عن لسَّريرِ فقد كنْتُ في حلمٍ .
جمال قاسم السلومي