ترتبط الديمقراطية في أذهاننا بالانتخابات , وهذا شيء أكيد , وقضية الانتخابات ، هي الأكثر تعبيراً عن الرأي بأشكاله المتعددة , غير أن علماء الاجتماع والمحللين يرون أن نتيجة “الانتخابات” قد لا تعبر عن المأمول اجتماعياً وسياسيا و اقتصادياً .
لماذا ؟! هو السؤال الذي تتشعب الإجابة عنه .
ويأتي السؤال : إلى أي حد تأتي نتيجة الانتخابات ايجابية تنعكس على الصالح العام ؟! الجواب ، كما يقول الراحل المفكر العربي السوري حافظ الجمالي في إحدى مقالاته ” في أسوأ حالات الديمقراطية نحصل على نصف المبتغى .. وفي حال انعدام الديمقراطية ..نحصل على لاشيء ..!!”.
الديمقراطية ، في أهم أشكالها ، هي حرية الاختيار من متعدد، في انتخابات حرة ، نزيهة ، فيها فرص متكافئة للجميع , ولكن هل كل المرشحين ، في أية انتخابات على سوية واحدة ، أو متقاربة من العلم والثقافة ونظافة الكف والسيرة الحميدة ؟! بالتأكيد لا ، هنا ، فإن الشرط الرئيس للحصول على نتيجة تعكس المستوى الثقافي الحضاري للمجتمع هو وعي الجماهير لاختيار الأفضل .
الجماهير التي تنتخب ، ودرجة ثقافتها ، ووعيها هو ما يعول عليه للحصول على نتائج جيدة بل جيدة جداً ، حيث تفرز الانتخابات عناصر جديرة بتسلم المسؤولية وخدمة الجماهير ..!!
هل المرشحون الذين تنطبق عليهم هذه الصفات الجيدة موجودون ؟! سؤال ساذج لكنني أطرحه للرد على من يجيبون بسلبية فأقول : نعم موجودون وبكثرة .
إذا كانت الديمقراطية غير قابلة للتطبيق في البلدان المتخلفة جداً بسبب الأمية والجهل ..فهي ضرورة في المجتمعات التي وصلت إلى مرحلة من الثقافة والحضارة والوعي ..لأن نتائجها ستكون جيدة وللصالح العام .
يقال عن السوريين أنهم مولعون بالسياسة, وهذا صحيح .
عندما جاء المرحوم جمال عبد الناصر وألقى خطابه الشهير بعيد إعلان الوحدة المصرية السورية ، من شرفة قصر الضيافة بدمشق ، انتحى به المرحوم الرئيس شكري القوتلي جانباً وقال له ممازحاً ” لديك في سورية أربعة ملايين سياسي ..سوف يدوخونك يا سيادة الرئيس ..!!” والمقصود أن السوريين أذكياء وواعون ويعرفون صالحهم .
الانتخابات ، في كل أشكالها ، والحديث هنا عنها ، بشكل عام ، هي حالة حضارية ..تعكس طموحنا إلى مجتمع أكثر تقدماً وأكثر تحصيناً ضد المؤامرات الخارجية ..لنتذكر أن ثلاثة أرباع العالم ضد سورية ..لأنها تقود محور المقاومة ..وعندما تجري الانتخابات ، الحزبية أو البرلمانية فيها ، فهذه رسالة للعالم وللأعداء ..أننا حضاريون وديمقراطيون ..وصامدون بوجه العواصف التي قهرناها ونقهرها ..فنحن قلب العالم ..وعندما كانت حضارة أجدادنا قبل الميلاد بآلاف السنين لم يكن العالم قد بدأ يتكون بعد ..!!.
عيسى إسماعيل