كان الحلم الذي هبط عليه قد دفع به إلى يقظة قاسية استبدت به مع بداية صباح جديد ، لم يستفق إلا على صوت الطبيب “تمت العملية بنجاح والحمد لله ” لكن أنفاسه تقطعت وضاقت فجأة بعد أن قرأ فاتورة المشفى وما تبعها من غلاء أجرة الطبيب ومن ثم الدواء الذي شكل احتكاره ومن ثم رفع سعره سبباً آخر في إرهاقه وملتصقاً بالسرير ينز عرقاً بارداً ، باحثاً عن مخرج ، إذ بدأ يعيد في ذاكرته ما حصل معه خلال العملية ، ملقط ، مقص ، قطن ، روائح الأدوية النفاذة والمبلغ الكبير أجرة العملية جعلته يقذف منصة الأحلام بنار الواقع المر، شفتاه تصرخان ألماً صادراً من جرحه المفتوح في كل الاتجاهات وكيانه الخاوي إلا من المرض الذي أخذ يتسلق على جسده كالطحالب ، ..وكاد يفتك به بعد أن هجم عليه العمر ولا معيل غير راتب تقاعدي خجول امتصته مستلزمات حياتية أخرى ..فبعد أن يوغل العمر بالإنسان وتداهمه الأمراض يقف طموحه عند معالجة أمراض مزمنة ابتلاه بها الزمن ، نخرت عظامه ، نخرها الضعف والمرض وقلة الحيلة وما عليه سوى محاولة إقامة التوازن بين معالجة مرضه وراتبه التقاعدي الضئيل إن وجد ، ليبدو عليه الشعور باليأس الذي يتلبسه كعفريت يبحث عن كوة باتت مغلقة ولم يبق له إلا خوفه وذكريات أيام خوالي أيام القوة والشباب التي مازالت عالقة في ذهنه البعيد ، ولا أمل له بعد أن يلحظ بأم عينيه كيف ذابت الإنسانية عند معظم الأطباء الذين يفتعلون كل شيء في سبيل المصلحة الآنية ليتحول المواطن المريض في نظرهم إلى مجرد رقم في مشهد سخيف ومكرر يثير الاستغراب إذ أصبحنا في زمن لكل شيء تسعيرته الكاوية ،ومازال الفاسدون يدافعون عن أنانيتهم المفرطة يبثون الخوف في النفوس ، خوف التقطناه وتجاوبنا معه رغماً عنا ندفع من خلاله فاتورة باهظة من أعضائنا ونفوسنا المنهكة …
عفاف حلاس