أسمح لنفسي باستعارة هذا العنوان الجميل من الأديب الراحل المقيم: مراد السباعي فهو عنوان لقصة كتبها الأديب مراد السباعي عام ستة وأربعين وتسعمئة وألف ، كما أسمح لنفسي أن أزين تحيتي بهذا العنوان لأنني سألقي ضوءا ً، شعاع عطر على الأديب الفنان محمد بري العواني الذي افتقدناه جسدا ً بيننا قبل أيام وهو من زين كتابه الصادر عن اتحاد الكتاب العرب قبل ثماني سنوات بعنوان_ عصفور الرمان – مراد السباعي. وإذا كان الأديب الفنان محمد بري العواني قد رأى في الأديب الشمولي المتفرد الرائد – مراد السباعي- عصفور الرمان فأنا أيضا ً أرى في الأديب الفنان الشمولي المتفرد- محمد بري العواني- عصفور الرمان .
وهذا العنوان بمفردتيه طافح بالإيحاء والدلالات، فالعصفور يوحي بالحرية والآفاق المفتوحة، يوحي بالغناء الصافي الممتزج بالصفاء والسمو الروحي، يوحي بالشموخ والعلو .
والرمان ألوان وطعوم ففيه الحامض واللفّان والحلو وهكذا كانت أيام الأديب الفنان : محمد بري العواني.
ولكن الأمر الأكثر أهمية من حيث الدلالة هو أن عصفور الرمان سكران على الدوام، حتى ليبدو أنه العصفور السكران الفنان الذي يفرغ لب الثمرة ثم يحشوها بأنواع الفواكه والأعناب ويطمرها إلى زمن محدد ليصنع منها أفخر نبيذ ليعود فيشربه من بعد ، ولذلك فإن هذا العصفور يعيش في حالة دائمة من التغريد الجميل والسكر الإبداعي.
والأديب الفنان محمد بري العواني كان عصفورا ً حرا ً على الدوام ينتقل من رياض منظمة طلائع البعث ومهرجاناتها الفنية ونشاطاتها الطفلية وهو الذي عمل فترة طويلة في المكتب الفني لهذه المنظمة الطلائعية ، إلى رياض نادي دوحة الميماس وحفلاته الموسيقية الراقية وهو عازف الكمان وقائد الفرقة الموسيقية، بالإضافة إلى عروضه المسرحية وهو الكاتب المسرحي والمخرج والممثل، وكانت عروض نادي دوحة الميماس تزين مهرجانات حمص المسرحية، وكانت عروضا ً متميزة طبعت حمص بطابعها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الحالي .
وكان الفنان الأديب محمد بري العواني يغرد بمسرحه فهو مؤلف مسرحيات كثيرة خصوصا ً للأطفال، وأذكر منها المسرحية المتميزة_ شطة في ورطة- كما كان يغرد ببحثه ودراساته القيمة، هذه الدراسات التي لم يكن ليقوم بتأليفها غيره كسفره الضخم عن رائد المسرح العربي: أحمد أبي خليل القباني، وسفره القيم عن المسرحي : قسطنطين الخوري ، وقد استطاع بعمله الدؤوب أن يعيد الحياة إلى نصوص هذين الأديبين اللذين يشكلان معظم تراثنا المسرحي العربي، وكان يشتغل على مسرحيات كاتب مسرحي آخر هو : فؤاد سليم.
كما كان الفنان الأديب محمد بري العواني- طيب الله ذكراه وثراه – يغرد بموسيقاه حاملا ً كمانه ليحي ما في تراثنا الموسيقي من موشحات وقدود وطقاطيق وكون أسرة موسيقية حقيقية تنطلق من أسرته الضيقة إلى أسرة حمص بأكملها .
أذكر أنني كتبت منذ عقدين تحية عن روح المبادرة في بعض الأشخاص وأثرها في الإبداع الحضاري، وأذكر أنني ضربت مثالا ً عن روح المبادرة عند الأديب الفنان محمد بري العواني، فالمبادرات كانت تنطلق من نفسه من روحه فتتجسد عملا ً إبداعيا ً سواء أكان مسرحيا ً أم موسيقيا ً أم أدبيا ً، وقلت يومها: ما أحوجنا إلى روح المبادرة تتجسد في الكثيرين الذين لاينتظرون من يحرضهم أو يرسل إليهم قرارات لينفذوها !!
واليوم أقول: لقد خسرنا أديبا ً فنانا ً كان صاحب مبادرات حضارية حية، ولكننا قد نقلل من حجم الخسارة إذا ماجعلنا روح المبادرة فيه مثالا ً يحتذى….
فقد أشعل ألف قنديل ولم يلعن الظلام مرة واحدة ..
د . غسان لافي طعمة