من الذاكرة 73

تفتّق مجلس الفعاليات الذي استعرضنا بعض ما قدّمه،… عن إقامة مُلتقى فكريّ، وقد وُضِعت خطّته بحيث يشمل تاريخ العرب منذ ما قبل التاريخ حتى الزمن الذي كنّا فيه، ويشمل الوطن العربي كلّه، ودُعيَ لهذا المُلتقى عدد من أصحاب الثقافة، بحسب اختصاصاتهم، ولست أزعم أنّ في ذاكرتي جميع الأسماء، ولكنْ ثمّة عيّنة تدلّ على تلك النوعيّة، د المرحوم حامد خليل، ، د المرحوم نعسان زكّار، د مسعود ضاهر من لبنان، الشيخ جودت سعيد، د محمد العكّام، وكان المُحاضر يلخّص محاضرته في زمن لا يتجاوز العشرين دقيقة، وثمّة معقّبان، أُعطي لكل واحد عشرة دقائق لمناقشة المحاضرة، ويعقُب ذلك نقاش الجمهور، ولكلّ مُداخِل خمس دقائق، وكان في برنامج المشروع أن يتضمّن طبع المحاضرات مع التعقيب عليها، وللأسف لم يُطبع سوى كتاب واحد، وانتهى ذلك المشروع بانتقال من كان قيّماً عليه، وظلّ يتراجع شيئا فشيئا، ككلّ، حتى غاب كما غاب غيره،

ثمّة مُلتقى من تلك المُلتقيات ما يزال طازجا في الذاكرة، وكانت دار الثقافة محتشدة بالحضور، وكان جودت سعيد، وله فرادة في آرائه، واستنتاجاته، وكانت ترافقه في المرات التي دُعي فيها إلى حمص السيدة الفاضلة زوجته، وفي يدها كرّاس تسجل فيه معظم الأفكار التي يطرحها،  والدكتور محمد العكام، الأوّل من القنيطرة – دمشق، والثاني من حلب، وقد جاء وبرفقة سيارته ( باص) مليء بالركّاب المواكبين، وكان عدد الذين يضعون على رأسهم لفّات، لافتاً، وبعد انتهاء المحاضرة، وكان الشيخ جودت سعيد جالسا وراء الطاولة على مسرح دار الثقافة، قام واحد من الجمهور، وكان واضحا من لهجته أنّه حلبيّ، فتوجّه بالسؤال للشيخ جودت قائلا:” يا شيخ، أما كفانا اتّهامات لبعضنا، هناك مَن يتّهم بعض الأحزاب  بالإلحاد ، فهل ترى أنت ذلك”؟!! فردّ الشيخ جودت بهدوئه المعهود،:” من حقّك أن تؤمن أو أن تُلحد، والالحاد ذنب أُخرويّ يحاسِب عليه ربّ العالمين يوم الآخرة” فران صمت عميق في القاعة، واستغرب البعض هذا الجواب من شيخ معروف كالشيخ جودت،لاسيّما من الذين يتشدّدون في رؤاهم وتفسيراتهم الدينيّة.

                                        *******

بعد هذا المسح الذي بسطته بين أيدكم عن مجلس الفعاليات، سأسمح لنفسي أن أقف قليلا مع شخصيّة مَن أسّس له، الرفيق خضر الناعم، وأنا أعتزّ بأنّني أخوه ، فقد أمضى في قيادة فرع الحزب أربعة عشر عاماً، وقد عُرفت عنه النزاهة، ووضوح الرؤيا، ونظافة اليد والسلوك، انتهت مهمّته في فرع الحزب، وقد تراكمت عليه ديون كثيرة، ولولا أنّه كان في عداد الذين رُشِّحوا في قائمة الجبهة لمجلس الشعب، لضاق ذرعا بذلك، حيث بقي في مجلس الشعب لثلاث دورات متتالية،

الآن أسأل جميع الفرق والنوادي، ومديريّة الثقافة، وفرع اتحاد الكتاب العرب، ورابطة الخريجين الجامعيّين، ونقابة الفنّانين، وقد كُرّم مِن قبلهم مَن كُرّم، ألم يخطر ببال أيّة جهة أن تكرّم مَن قدّم كلّ ذلك العطاء؟!!

أدرك أنّ مَن سيقرأ هذه الزاوية، أو يسمع بها ، ممّن ذكرت، سيقول والله قصّرنا، وما أعتقد أنّها كلمة وافية، فتصحيح ما ليس صحيحا لا يكون إلاّ بتصحيح مناسب،

أنا أعلم أيضا أنّ هذا التكريم، لو قُدِّر له أن يكون،  لن يزيد أو يُنقص من قيمته عند عارفيه وعارفي أمثاله، بيد أنّ الوفاء، وتذكّر الذين شكّلوا علامة ما، يظلّ عملا مطلوبا وجليلا، وأخلاقيّاً، ويشكّل حافزا…

عبد الكريم النّاعم

 aaalnaem@gmail.com

المزيد...
آخر الأخبار