شمس الأصيل توقع مداها على مطرزات السهول ، ومتعرجات السفوح حنوَّ هضاب إلى تلال ، وعلى مرتسمات الآفاق تنهض ذرا الجبال وعلى مطلول سرح لحاظ البصر ثمة منمنمات من تلاوين اخضرار متماوج ، وحقول و حواكير وأغصان أماليد تمد عرائشها أفانين من قطوف دانيات ، وما بين لون و آخر تبسط الكروم دروبا لزائريها أغنيات الجنى لعناقيد تباهي بها الدوالي ، وقد توارى الكرَّام نديم كرم ثمل عشقا بابنة الكرم دوام تماه لشميم تراب وسعادة جهد ، وثراء قطاف ضمن دورة من جد وجد ، ومن زرع حصد ، ونبل قيم تعاقب رسالة الأجيال ( رحم الله من نصب غراسا …)
هو الصيف زاد المؤونة لقادمات الفصول ، و السعة في بسطة الضوء نهارا وسحر التواد من غسق إلى سَحر وقد انغمست رائعات النجوم في فحمة الدجى ليغدو اليوم نهارا عناق ليل في سفر الأيام والليالي سطور كلمات في دفاتر الأزمان رزانة الثابت ، ولنغدو نحن ضيوف كينونة أعمار في مسار التحول من حال إلى حال عبر سنة الحياة .
هو التحول من فساحة الأصيل إلى تنهدات التأمل في شفافية الإحساس لدلالة صيرورة الثواني ضمن انسكابها شلال زمان إلى حيث تدرج لحظات بغيرها فيركن الشفق الوردي وقار مهابة الغروب شمس وفيء ظل ذرا وتروح الأطيار إلى وكناتها فيهمد الحقل ، و يعم الصمت بوحا مهذبا في بصيرة كل تأمل ، و قراءة كل تفكر ، وصدى كل تفكير …تفرش السماء نجومها غنج حِسان أوقد سحرهن نفح الحب طيبا في مهاد مهج اصطلت جُذاها في احتراق كل وجد لاطفته سارحات القوافي و غنته أيقونات المقطعات بذار حروف من نثر على أكف الحقول ، وهي تنشد سُقياها غلال قول على قول و فعل غلى فعل مصداقية وجد في تجذر نبل كل قصد.
أجل ! تفرش السماء نجومها أشرعة أضواء تتسرب في أعطاف المدى أهازيج تكاد تبوح بمنطوق لألائها ما تعيا به الكلمات وهي الساهرة ترف جمال حول استدارة قمر والنسمات الرقيقة تسحب أذيالها بتؤدة وخيلاء حاملة ارتعاشات الحقول والزروع في منابتها والباسقات اخضرارا بيانعات ثمارها ، لكأن عبق كل جهد يدانيك إلى حيث أنت ، فيشدك رقي تآزر تكاملية لوحة موشاة باغتباط عناق كل جهد إلى غيره فيصير التآزر غنى الجميع ،و حسبك من كل أمر بعضه أو أي نفح منه وفق معيارية الشغف السمح بجماليات الحياة الطالعة من خدر كل نقاء ، فلا يشوبه ثقل في حمولة ربح أقعدته دونية من جشع .
حيوية منابت الأرض حقولا و زروعا وسفوحا و بيادر أنفاسُ الموقظين الفجر حضورا في مطالعها و كدًّا في مراميها ، فتراهم العائدين بسلال هي قرابة بذار بقطاف وكد بجني وفصل بغيره .
إنها شرفات الصيف حكايات المثابرة في تعزيز كل كفاية ،و اكتفاء ومهارة التشبث بمعنى الحفاوة بذرات التراب ، وعشق التخوم في صوى الأريحية الناجزة بأصالة كل حدٍّ .
ما أروع الصيف لوحات لوحات !! وما أجل الأرياف بلدات وقرى تراها واحات تسابق كل سراب ، و شموعا معلقة تغالب كل ذرا !
أنها شرفات الصيف في مطالع الشعر خزائن ديوان العرب في قصائد ما أكثر ما تعالى صداها فوق أطياف النسيم ، وفي النثر ما أكتر ما أبدع أمراء النثر فما بخلت السواقي تنوح على رؤوس الزروع .
وفي صعد الحياة كلها ما خفيت أحداث و أحداث في عوالم التاريخ و رواده في حشد ثنايا الثنايا لوقائع و أحداث فجاءت سرديات لحاطب ليل ما ترك شيئا إلا و قمَّشه في ما كتب .
وثمة أحداث في أسفار التاريخ حركت لواعج الأسى حرقةً و أخرى في مداه مهرت جبينه عزة و انتصارا و أكدت ثوابت حق لا يلين . وهي شرفات الصيف الحاضرة في أغنيات لمشاهير الفن الأصيل كلمات وأداء ولحنا يحاكون قاموس الإبداع وجماله.
إنها شرفات الصيف ما بين أصيل و تتالي حيثيات أزمنة و ولادة الفجر بزوغ أشعة شمس تعاقب أزمان تبقى معطرة بأنفاس كل جمال وجميل في مآقي العيون ، ونباهة البصيرة و تجذر كل حب في سمو كل روح لروح .
نزار بدُّور