قال وعلى وجهه علامات التعجّب، وفي عينيه غضب:” هل تابعتَ ما نشرتْه الفضائيات عن مواقف جماعة 14 آذار في لبنان ومنهم جنبلاط، وجعجع، وبقيّة الشلّة إثر ذلك الانفجار الهائل الأليم الذي عصف بمرفأ بيروت، وبما حولهـا وترك ما ترك من ضحايا وخراب ومشرّدين وجدوا أنفسهم في العراء لا يملكون شيئا وقد كانوا من قبل على غير هذه الحالة”؟!!
قال:” أنت تعلم أنني أتابع بقدر ما أستطيع، ولكنني لا أفوّت خطابا لسيّد المقاومة نصر الله، لما فيه من الجديّة، والعمق، والصدقيّة، والتأكيد على أنّ مقاومة العدو الصهيوني، بمظاهره الجديدة والقديمة هي الهدف الأوّل،
اسمع يا صديقي، لقد دُهشت مثلك، أفي وقت اشتعال الحريق، وغبار الدّمار لمّا ينقشع بعد، وفي فوران الكارثة، لم يجد هؤلاء إلاّ التصويب على ” حزب الله” بما يمثّله من توجّه، ونصاعة، وشجاعة؟!!
ألم يجدوا غير إيقاد النيران في الوزارات وجمعية المصارف لإخفاء الوثائق التي تُدين مشغّليهم، ومعلّميهم؟!!
هم يريدون تحويل الكارثة إلى فرصة لالتقاط أنفاسهم، فبادروا إلى طلب تحقيق دولي، وهذا يعيد إلى الذاكرة بشكل ما ذلك التدويل الذي طلبوه بعد اغتيال الحريري الأب، وأرادوا حرفه بشتى الطرق للوصول إلى غايات سياسية لم تعد خافية على الوطنيين الشرفاء.
هذا الفساد، والذي من جملته بقاء نترات الأمونيا كلّ هذا الزمن، مَن المسؤول الحقيقي عنه؟! إنّها الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثين سنة، والتي أورثت لبنان كلّ هذا الفقر، وهي لا تقتصر على إيذاء لبنان وحده، بل ثمّة مستهدَف آخر هو سوريّة، ولذا كان من مطالبهم تدويل الحدود مع سوريّة،”…
قاطعه:” هل يخرج بعض الناس من مفاهيم الانتماء إلى الوطن بهذه السهولة”؟!!
-أجابه:” يا صديقي هؤلاء، ككلّ الفاسدين، وطنهم مكاسبهم، وتثمير أموالهم، ولا يعنيهم من الوطن إلا أن يكون شركة رسميّة يحقّقون بواسطة إدارتها، ووضع اليد عليها، أقصى ما يرجونه من مكاسب، حتى ولو كانت على حساب لقمة الغالبيّة العظمى من الشرائح الاجتماعيّة، ولا مانع عندهم أن يتعاونوا مع العدو الإسرائيلي، أوَلَم يفعلها بعضهم من قبل؟!! وإلاّ قل لي بربّك كيف في وسط الغبار والخراب والدماء وتشريد الآمنين لم يجدوا غير ذلك الموقف، ؟!! صديقي هؤلاء الوطن عندهم ليس الكرامة، والدفاع عن حدوده، وعمّا هو مغتصَب منه، وليس كرامة شهداء مَن قضى من أهله من قبل، وليس مستقبل الأجيال التي تنشأ، ويتلو بعضها بعضا، وليس تحقيق الكفاية والعدل، والرخاء للجميع، وهذا شأن كلّ الذين ارتبطوا بعمالة ما للخارج، في أيّ مكان، فهم لا يرون إلا مصالحهم، ويسخرون ويضحكون ممّا تضمّنتْه الكتب من قيم وأخلاق وطنيّة وقوميّة، فالوطن وطنهم حين يُتاح لهم أن ينهبوا خيراته، أمّا ما عدا ذلك فهم لا يخجلون حتى من مواقفهم المشبوهة، والمشحونة بالسموم”..
-قاطعه:” المصيبة المُرافِقة هي أنّ لهم أنصار في أوساطهم”!!
-قال:” انصارهم مضلَّلون منذ عهد بعيد، فهم باسم الطائفة، وباسم المذهب تتحرّك عصبيّاتهم، وبذلك لا يرون إلاّ بعيون الطائفية، وقد رُبّوا على ذلك، وهؤلاء أيضا محتلّون من داخل نفوسهم، ولا بدّ من تحريرهم من تلك الضلالات، وورقة المذهب والطائفة من أخطر الأوراق التي لعبتْها القوى التي طمعت في خيرات هذه البلاد، وقد تعمّقت مجاريها أيام الاستعمار العثماني، وتبعه في ذلك دول أوروبا المستعمرة فيما بعد،
المعركة معقّدة، وثمّة من يزيد في تعقيدها من خارج طامع، ومن فاسد نهّاب في الداخل، وهذا ما يجعل المعركة واحدة على المساحة التي تُخاض فيها، في سورية، ولبنان، وفلسطين، والعراق، واليمن.
المعركة خطيرة ومصيريّة ولا بدّ من خوضها ضدّ الطامعين من الخارج، وضد الفاسدين في الداخل، لأنّ الفساد والفاسدين حيث حلاّ، يشكّلان طابورا خامسا لأيّ عدو، وأعداء الداخل الفاسدون أكثر خطورة على البلاد من أعدائه الخارجيّين المكشوفين….
عبد الكريم النّاعم