تبدو قرانا الجميلة اليوم مشغولة بالتوسع العمراني وبيع الأراضي الزراعية التي أكلتها النيران وأتت على أشجارها المحملة بالفاكهة والخضراوات الغضة إضافة إلى قلة المياه التي كانت في الماضي وفيرة تروي الأرض وتنبت الزرع يقتات من خيراتها أهالي القرية وتمدهم بمصدر رزق جيد ، لتحل محلها أبنية باتت تسد الهواء العليل بعد أن تم قطع الأشجار من الجذور في معظم الأراضي الصالحة للزراعة ,الأبنية ترتفع في الريف وتعلو بقاماتها البيتونية الصلبة ، لتصل حتى إلى تلك البيوت الطينية البسيطة الخالية من السكان والتي كانت تمثل تراث القرية ونبضها العفوي ، إذ لا تأخذ القرية جمالها إلا بشكلها القديم من تنور و موقدة و بيوت الدواب الترابية ، و لا تحلو الطبيعة إلا بأشجارها .. الآن تحولت لتأخذ طابع المدينة بأبنيتها المكسوة بأحجار القرميد و الرخام تجعل العمارة كعروس مجلوة .
كل ذلك جعل أسعار الأراضي ترتفع بشكل جنوني لاهب يحرم محدودي الدخل من التفكير في إشادة منزل بسيط في القرية بعد أن تركوا المدينة و تحولوا للسكن بالريف إذ تهدمت بيوتهم لتتحول كلها في أيدي التجار الكبار المتخصصين في استثمار البيوت و تأجيرها بأسعار عالية و لا قانون يحمي الأراضي الزراعية من التراجع ..
مما يجلب الحسرة من قبل العائلات التي كانت تذهب للاصطياف في تلك القرى يأتون من المدن للتمتع بالهواء النقي يجلسون تحت الأشجار الباسقة التي تحميهم من لسعة شمس لاهبة تجعل دبيب الفرح يسري في داخلهم بنشوى عارمة ..
فإلى متى تستطيع هذه الطبيعة البكر أن تقاوم رياح التجار و السماسرة و المتعهدين الذين هب موسهم ليستبيحوا عذرية أراضينا البكر…
عفاف حلاس