أعتقد أن وطني سورية تعلم لغة الصمت من تجاربه وتعود عليها لكي لا يعاتب بعض أبنائه ولا يلوم بعض جيرانه ولا يصرخ في وجوه الغادرين به ،وأدرك أن الصمت أبلغ منطق يهدي النفوس إلى الحقيقة وهو الحكيم الذي يعرف أن للمعاتبة وقتها وللوم زمانه وللصرخة موعدها ولذلك آثر لغة الصمت !
فلم يحن بعد وقت المعاتبة ليقول لابنه الذي غذاه مولوداً وعاله يافعاً وقدم له كل شيء من رغيف الخبز إلى الدراسات العليا ،ما هكذا يكون رد الجميل للغريب فكيف لأمك وأبيك كيف لوطنك ،أتأكل من الصحن وتبصق فيه ،وتشرب من الكأس وتكسرها ،وتترك وطنك موغلاً في غربتك ومذلتك ،لقد قرأت يوماً للأديبة الرائعة غادة السمان في الغربة ،لست ياصديقي أكثر من مقعد في حديقة عامة سيجلسون فوقك ويستريحون وينتشون ويشكرونك ثم يمضون ولن أذكرك أن للجدران قلوباً وآذاناً ،وأن حجارة بيتك انتحبت طويلاً ،ولكنك أغلقت قلبك وصممت أذنيك ،فغدوت شحاذاً على أرصفة استنبول ،وغجرياً في غابات صربياً ولاجئاً في مخيمات ألمانيا وغاسل صحون في مطاعم كندا …
ولم يأت بعد زمن اللوم للجيران ليقول وطني لجرش والبتراء لقد رفدت مهرجاناتكم بالشعراء والفنانين .وأطفأت ظمأكم بمياه سدودي وكنت القريب الوفي لكم والجار الودود لدياركم ،فكان رد الجميل –غرفة موك –للتجسس علي وإدارة عمليات الجماعات الإرهابية المسلحة وإيواء المجرمين والفارين من وجه العدالة !!
ويقول لطرابلس وبيروت لقد أنقذتكم من حرب أهلية طاحنة ودفعت عنكم الشر الصهيوني –وضمدت جراحكم وأعطيتكم رغيف الخبز وكأس الحليب وعلبة الدواء فكان رد الجميل ممن ادعوا النأي بأنفسهم ملايين الدولارات يحملها أحمد الحريري وخالد الضاهر وجمال الجراح ومصطفى علوش إلى مدينتي القصير دعماً للجماعات التكفيرية المسلحة التي قتلت الشجر والبشر ولم يأزف موعد الصرخة على وجه أمراء قطر الذين اعترفوا بصرف مئة وثلاثين ملياراً من الدولارات لتدمير وطني ووطني فتح لهم صدره فأقاموا فيه سباقات الخيول والهجن ،وعاملهم معاملة الأقارب والأحباب فكانوا العقارب والأذناب –ولذلك أختم بما قالته إبنة دمشق الأديبة الرائعة غادة السمان :
لا تتوهم يا صديقي أنها تمطر
ما يحدث هو أننا نحن
مئتان وخمسون مليون عربي
نتعرق خجلاً ،وننتحب مرة واحدة
أمام أسوار مدينة الألفية الثالثة
ولذلك من حق وطني سورية أن يسمو بلغة الصمت لأن وقت المعاتبة واللوم لم يحن بعد!!
د.غسان لافي طعمة