الأرض جنة الله رمز العطاء والجود ،كوننا نأكل من خيراتها الوفيرة ونتمتع بظلها الدافىء نشرب ماءها الزلال لذلك كان أهل القرى قديماً يعملون بزراعة الأرض يسقونها من عرقهم ويعطونها جلّ اهتمامهم ،فكانت ظروفهم المعيشية متشابهة ،يعيشون من نتاج جهدهم ليؤمنوا مونة عام كامل من برغل وبطاطا وبصل ومربى ولبنة ودبس وزبيب وغيرها ،وينقلون المحصول على دوابهم فلا أزمة مازوت تؤثر على حياتهم ولا أزمة بنزين توقف أعمالهم ، لا يسمعون بغلاء الدولار ولا حصار قيصر أو إمبراطور أو حتى فاسد من الفاسدين قادر على اقتحام عيشهم .
يعملون بالأرض ويربون البقر والمواشي والدجاج والحمام ، ليعيشوا حالة اكتفاء ذاتي ..يتدفئون على الحطب المتوافر في الطبيعة ويصنعون المواقد والتنانير ليهزموا أزمة المازوت والغاز والوقوف على الأفران والكازيات في طوابير مقلقة ..
نطلّ عليها اليوم من خلال ذاكرتنا كلما ضاقت بنا الأمور وازدادت أزماتنا المعيشية صعوبة نتيجة إهمالنا وهجرنا للأرض وللتراث جرياً وراء أجر شهري لا يغني ولا يسمّن من جوع ..
إذ وصلنا إلى طريق مسدود لإهمالنا الأرض وتركها عرضة للحرائق والفئران والنهب والسلب … حاولنا تقليد الغرب فلم نفلح ،لأنّ الغرب صنعوا أنفسهم من ذواتهم ولم يستوردوها …قلدناهم وأخذنا منهم القشور وتركنا الجوهر الأصيل ،فحصل لنا كما حصل للغراب الذي أعجبته مشية الحجلة حاول تقليدها فلم يستطع وعندما حاول أن يعود لمشيته الأصلية نسيها نسياناً كاملاً …
إذاً من الضروري اليوم العودة إلى الأرض إلى جذورها العميقة وما تزال الفرصة مهيأة فلا نحتاج سوى للإرادة والتصميم على العمل الجاد المنقذ من الهبوط إلى الهاوية لإحياء إنتاج الماضي البعيد والتكيّف معه بأجواء سحرية تذكر بما كان ، مثلما كان الأجداد القدماء ينتجون حياتهم المادية من خلال مكونات الطبيعة ومواردها في فضاءات الجمال التي تمثل موسيقى الوجود المستمدة من البيئة والتمسك بالخصوصية في إعادة ماهو صالح للحياة المعاصرة يمكن الاستفادة منه وإبعاد ماهو غير صالح …
هي عملية استحضار إيجابيات الماضي بكل ما فيه من خير وبركة وعطاء…
عفاف حلاس