اكتنزت دواوين الشعراء بالحنين للوطن ,وشكل الوطن موضوعاً خصباً اشتغل عليه الشعراء بوجدانهم وتلقائيتهم فلا شيء أكثر من الغربة تكوي الروح فتشف القصائد حنينا للأرض والملح والزيتون وهذا ما نجده في دواوين الشعراء وآثارهم التي تركوها لنا نبراساً ينير الطريق إلى النصر والنضال وسنبدأ بالشاعر الحمصي عبد الباسط الصوفي الذي توفي في غربته في غينيا عن عمر يقارب الثلاثين عاماً ونقل جثمانه إلى حمص ودفن فيها ,يشرح لنا الشاعر في قصيدته المعنونة بـ “دروب النضال ” كذب الغرب وخداعهم للعرب ,فيقول مطالبا الشعوب بالنضال الدائم :يا دروب النضال ,كم أطرق الشعر /وكم غص في لساني السؤال /وكتمت الأنين ,في صمت أوتاري/وجف السنا ,وغاض الجمال/أتنام المأساة وهي جراح ويُحلَّى الهوان وهو ضلال .
ثم يتابع الشاعر الصوفي حديثه للعرب كي يعلموا أي عدو يواجهون فيقول: لوَّح الغربُ يستحث خطاه /حيث لذَّ الجنى وعز المنال /غلَّف النابَ وهو سمٌّ ,وألقى /بكريم الوعود وهي محال /قصة الغرب نحن أدرى بما فيها /وهذي سطورها ما تزال/ آن لليل أن يلم بقاياه /وتطوي ظلامها الأجيال .
نعم يفضح الشاعر الصوفي أفعال الغرب ودجلهم ويطالب الأجيال القادمة بالصحوة.
أما الشاعر الفلسطيني معين بسيسو فيحض على التمسك بالأرض والنضال في سبيل النصر فيقول: لن أهرب من دربي /لن أهرب من كأس الخل / وسأمضي/ أبذر قطرات دمائي /في الأرض .
ونلاحظ أن الشاعر هنا متمسك بأرضه واستعداده الدائم للتضحية دون حدود ,وهو بذلك يجاري شعراء عصره الفلسطينيين في النضال و ضراوة الحنين حتى آخر قطرة حبر ودم ,وهذا ما توضحه الشاعرة فدوى طوقان: فتقول: حريتي ..حريتي /سأظل أحفر اسمها وأنا أناضل /في الأرض ,في الجدران ,في الأبواب /في شرف المنازل /,في المحراب في طرق المزارع /في كل مرتفع و منحدر ومنعطف وشارع /في زنزانة التعذيب في عود المشانق /رغم السلاسل /رغم نسف الدور/,رغم لظى الحرائق /يمتد في وطني ويكبر /ويظل يكبر /حتى يغطي كل شبر في ثراه .
لغة الحنين سائدة في الحديث عن جرح الأوطان فتعلو لهجة الشاعر حسب الحالة النفسية وبما يقتضيه الموقف وهذا ما يتضح في قصيدة “يا دجلة الخير ” للشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري وقد نظمها عقب نزوحه عن العراق إلى مغتربه في تشيكو سلوفاكيا فيحيي نهر دجلة العظيم شريان الحياة في أرضه فيقول: حييت سفحك عن بعد فحييني /يا دجلة الخير يا أم البساتين /حييت سفحك ظمآناً ألوذ به /لوذ الحمائم بين الماء والطين /يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه /على الكراهة بين الحين والحين /إني وردت عيون الماء صافية /نبعاً فنبعاً فما كانت لترويني /يا دجلة الخير ما يغليك من حنق /يغلي فؤادي وما يشجيك يشجيني /ما إن تزال سياط البغي ناقعة /في مائك الطهر بين الحين والحين .
والجواهري هنا يعري لنا أوجاع قلبه على بلده العراق وقد قرحته الحروب ولا يقل عنه الشاعر كاظم جواد في موقفه النضالي فيقول مخاطباً العراق: ماذا سأكتب عن شوارعك المضاءة من دماء و دموع شعبي الكادح المحزون في ليل العراق /ماذا سأكتب يا مدينة فعلى ملامحك العجاف تجوب أخيلة الضغينة سأقول إنك توقدين مصباح عارك من دم الموتى وجوع الآخرين /مهلاً وإنك تشربين مائي وبترولي ,وإنك تبصقين آلاف آلافِ الرجال ,وتقتلين الطيبين .
فالشاعر هنا يتذكر مواجع الحياة وصور الشقاء في بلد تمزقه الحروب ويتفق مع الشاعر اليمني أحمد محمد الشامي الذي يحن لبلده ويتغنى بتضحيات أبنائه فيقول: لولا هواي البكر في عرصاتها /ما فاض دمعي عند ذكر صفاتها /بلد شبابي ماد بين غصونها /وطفولتي رفعت على همساتها /بلد دمي من عطرها ومشاعري /من نسجها وحشاشتي من ذاتها .
.
نعم ,كثرت المؤامرات التي تحاك ضد أمتنا ,و تبينت أثارها الخبيثة في بلدنا سورية وفي العراق و لبنان واليمن ,فإذا كنا على درجة عالية من الوعي والمعرفة بتفاصيل ما يحاك من شر ضدنا نستطيع إيصال أمتنا لبر الأمان أما إذا عصبنا عيوننا عن الحق وسرنا في طريق الظلامة فلن نحقق لبلادنا إلا الخراب لذلك فليبق السلاح صاحياً فهو الطريق الوحيد المؤدي إلى النصر المضمخ بالتضحيات .
ميمونة العلي