مَنْ منّا لا يحبّ بانتعاش ارتشاف قهوته الصباحية، بعد أن يغسل وجهه وفمه من أثر النوم وسلطانه، مع سيجارة أو بدونها، قائلاً لك بلغة الواثق ليقنعك:
- مزاجي الصباحي لا يعتدل، إلّا إذا دخّنت سيجارة اثنتين، مع فنجان أو فنجانين من قهوة الصباح المفضّلة المُحَوَّجة بالهيل والمِسْكَة إلخ، خاصّة إذا ارتشفتها من دون سكّر، فأنا على قناعة أنّ السكّر مضرّ جداً بجسد الإنسان، ويفعل فيه الأفاعيل، ثمّ ألم يرد على ألسنتنا العبارة التالية، التي نكرّرها صباح مساء: “احذروا الأبيضين، السكّر والملح”، لِما يسبّبان لمتعاطيهما – حسب تحذيرات الأطباء – من عواقب وخيمة على أعضاء الجسم، لا تُحمَد عقباها على المدى القصير أو الممتدّ.. وفي عدد من دول العالَم، لا يحبّذون تناول هاتين المادّتين، لقناعتهم الرّاسخة، أنّهما تضرّان فعلاً بجسد الإنسان، وتزرعان فيه عدداً من الأمراض: كالسكّري، وارتفاع الضغط، وما شابه!
وما دام سيل الكلمات، قد أتى على ذِكر البنّ، فينبغي أن نذكر وأن نتذكّر “البنّ اليماني” المشهور عالمياً، بجودته ونكهته، منذ زمن سحيق، بحيث إنه يفوق “البنّ البرازيلي” طعماً، كما يقرّ كثرة من تجار البنّ وعارفيه بذلك، والغريب أنّ أهل اليمن يفضّلون “قشر البنّ” على البنّ المطحون، فترى أنّ سعر كيلو البنّ الحَبّ، على سبيل التمثيل: 100 ريال، فيكون ثمن القشر 150 ، وربّما 200 ، وكثيراً ما يحتسي اليمانيون قشر البنّ المغلي مع الماء بعد تناول الطعام أو في المساء، فهو حقاً لذيذ، مريح للمعدة، يمنحك شيئاً كثيراً – قليلاً من الرّاحة النفسية..
ومن أسفٍ بالغ المرارة، فإنّ اليمانيين، شَرَعُوا منذ ثمانينات القرن الماضي يقلعون شجر البنّ من جذوره، مستبدلين زراعته بزراعة أشجار “القات”، التي حسب فلسفة كثيرين منهم، تدرّ عليهم أرباحاً مضاعفة بالعام الواحد، لأنَّ شجرة القات بأوراقها الطريّة التي تُمضَغ، وهو ما يسمّى بـعملية “التّخزين”، تعطي صاحبها أوراقاً متجدّدة على طول السنة، فيقوم الفلاح بقطف هذه الأوراق وبيعها، فيعتاش وأسرته من حصائل ما يجمعه من مال.. لكنّ دخول دول التحالف بجبروتها وعنجهيّتها وطغيانها الأراضيَ اليمانية، ومعهم دولة الظلم “السعودية”، ومَنْ ساندها، ولفّ لفّها، قد دمّروا كلّ شيء، حتى إنّ البشر والشّجر والحجر، لم يسلم من جبروتهم وحقدهم وإجرامهم، السؤال الكبير هنا: ما الذي فعله اليمن “الذي كان سعيداً”، ضدّ آل سعود، حتى يلاقي كلّ هذا الكمّ من العقاب الإجرامي الدموي غير المسبوق، الذي مضى عليه حتى الآن أكثر من خمس السنوات، ولا تزال الآلة الحربية “السعودية – الأمريكية – الإسرائيلية”، تدمّر البيوت على رؤوس أصحابها، وتغتال العشرات والمئات من الناس الآمنين الغَلابة، وجامعة “أبو الغيط” للتّفرقة والتّشرذم، تجتمع بين الحين والآخر، لالتقاط الصور التذكارية، ولتحيك المزيد من حلقات القتل والتدمير والتآمر على الأشقّاء، بدلاً من أن تجتمع لرأب الصّدع، وإيقاف حمّامات الدم، والوقوف بوجه آلة آل سعود، الذين جُبِلَت نفوسهم وأرواحهم وقلوبهم من فُخار الحقد، وفولاذ اللؤم، ولم تُجبَل من لحم ودم وأعصاب وكرامة! السؤال الأهمّ الذي يتنامى في النفس، ويلامس عصبَ الرّوح هنا مُفادُه: هل بقي شيء من شجر البنّ، (أو حتى شجر القات)، أخضر مُورقاً يانعاً، بعد كلّ هذا القصف الإجرامي، بمختلف أنواع الأسلحة، بحراً وبرّاً وجواً، حتى مواكب الأعراس، و”شوادر العزاء”، لم تسلم من جبروت آلتهم، وقسوة إجرامهم، ولا يزال اليمانيون الأشدّاء على صلابة مواقفهم، يقاتلون أعداءهم بكلّ المطارح والميادين، وهم مُصمّمون على دحر هذا الوحش الكاسر، مهما اشتدّ وطيس المعارك، وتطاولت ألسنة النيران، لأنّ إرادة الشعوب تصنعُ المستحيل.. فمتى تُوقِف السعودية بظلمها وجبروتها وعقلية طغمتها الحاكمة نزيف الدم، خاصة وأن جائحة “كورونا” قد “زادت الطين بِلّة” على اليمانيين وعلى العالم برمّته، ومَنْ من دول “شريعة الغاب”، يستطيع إيقاف القتل الجماعي “خاصة النساء والأطفال”، وتدمير المنازل فوق رؤوس الآمنين، وحرق المزروعات والمحاصيل وأشجار البنّ وسوى ذلك، أليست هذه جرائم ينبغي على “الأمم اللامتحدة”، وعلى مجلس الأمن “اللاأمن”، وعلى محكمة العدل الدولية مقاضاة المجرمين، وسَوقهم إلى أقفاص العدالة، لينالوا على سَيْل جرائمهم الجزاءات التي يستحقون، لكنّ الظلم اليوم هو سيّد المواقف، وأصحاب الضمائر الحيّة من قادة العالم، يسكنون في ثلاجات التّبريد، غير عابئين بما يجري على الأرض، وما يسيل من دماء الفقراء والمُستضعفين، فهل تستيقظ ضمائرهم بأقرب الآجال، ليكفّوا عن أفاعيلهم المُخزية بحقّ إخوةٍ لهم في الإنسانية والحياة، وهذا أضعفُ الإيمان؟!
ها نحن نلتحفُ اليوم ببطّانية الأمل، وننتظر..
وجيه حسن