ورد في القاموس ما يلي: الغَاغ: نبات الحَبَق، والغَاغَة: واحدة الغَاغ: الكثير المختلط من الناس. الغَوْغاء: الجَراد حين يخفّ للطيران، أو بعدما ينبت جناحه، والغَوْغاء من الناس: الكثير المُختلط، أو الدّون الذين يسعون إلى افتعال الشرّ والأذى، والعامّة تستعمل “الغَوْغاء” للجَلَبَة والضّجيج والّلغَط..
عليه القول: إنّ أمثال هؤلاء الغَوْغائيين والغَوْغائيات، على كثرتهم أو قلّتهم، لا يمكن بأيّ حال أن يبنوا مجتمعاً صحيحاً مُعافَى، أو وطناً له مقوّماته وبنيانه وقامته السّامِقة بين الأمم، ولا أن يسهموا في صُنع الإنسان، الذي هو في كلّ وقت وكلّ حين هدفُ الحياة ومنطلقها وغايتها.. فإعداد الطفل تمثيلاً، ليكون رجل المستقبل، وإنسانه المنتظر، بما تعنيه كلمتا “رجل” و “إنسان” من فحاوَى ومضامين، لا يتأتّى بتربيةٍ غَوْغائيّةٍ مُتفلّتة، على أيدي والدَين غَوْغائِيَين، فالطفل من الجِنسَين أمانةٌ غالية في أعناق الآباء والأمّهات، والمربّين والمربّيات، والمعلّمين والمعلّمات، هذا هو المأمول، (فالتربية إذاً وبكلّ تأكيد قبل التعليم)، هكذا نادينا ولا نزال ننادي بحواراتنا ولقاءاتنا ومحاضراتنا، وبحناجرنا السّليمة حتّى ينقطع النّفَس! ويقولها أحدنا بأسف ومرارة بالِغَين: إنّ مجتمعنا العربي السوري في شرائح منه بِمَسِيسِ الحاجة إلى إعادة تأهيل، وهذا التّأهيل المنتظر والضّروري، لا تُستكمَل أهراماته وحجارته ومقوّماته إلّا على أيدي أناس أوفياء أنقياء وطنيين مؤهّلين تربوياً وسلوكياً وفكرياً وأخلاقياً، وقبل هؤلاء طُرّاً، يأتي دَوْر الوالدين، اللذين يتربّى الطفل/ الطفلة، ويشبّ بين أيديهما، وتحت أعينهما، ومن خلال أسماعهما، فإذا سمعا منه لفظة نابية بذيئة، أو شاهدوه بأحد المواقف، يقوم بعملٍ مُنَافٍ لأبسط شروط التربية والاحترام والتّهذيب، قاموا بتنبيهه وَزَجْره بلطفٍ وتأدّبٍ، “وقُولُوا للنّاسِ حُسْناً”، والعمل على توعيته من عدم تكرار فعلته البائخة، أو الوقوع مرّة أخرى في هذا الخطأ أو سواه.. أمّا إذا كان الوالدان، في أساس تربيتهم البيتيّة من غَوْغائِيّي المجتمع، ومن دَهْمَائه ومُتَفلّتيه، فلا يمكن لهم بكلّ توكيد، الإسهامُ في تربية أبنائهم وبناتهم التربية الصحيحة المُثلى، ليكونوا في القابل من الأيام رجال الغد المنتظر، ونساءه الواعيات العظيمات، ألم نسمع المثل الذي يتردّد على ألسنتنا صباح مساء، وفي كلّ حوار ومنتدى: “فاقدُ الشّيء لا يُعطِيه”؟! إلى هؤلاء ومَنْ دارَ في فَلَكِهم، القول: السُّحُبُ البِيض أو السّود أيّها السادة، لا تصنعُ ظلّاً دائماً، وحجرٌ واحدٌ يتيمٌ لا يصنعُ بيتاً متماسكاً، وزهرةٌ واحدةٌ لا تُشكّلُ ربيعاً.. عليه فإنّ التربية السليمة مرتكزُها الأساسُ “البيتُ”، وأعني بالبيت هنا “الأم”، فمتى كان البيتُ خاوياً على عروشِه، بسبب فقدان التربية والتّأهيل والانضباط، عندها يقول العقلاء منّا: على أهليهِ من كبار وصغار، ومن أمّهات وآباء، السّلام والفَقْد..
ولو انتقلنا إلى ضفّةٍ أخرى من هاتِهِ “التحيّة”، إلى فئة الكتّاب والكاتبات، الأدباء والأديبات، أرْباب الحرف والكلمة والمِداد والقلم، الذين يصرفون الكثيرَ الجمَّ من حرق الأعصاب، ومن الأوقات الغالية، ومن عصائر الصّبر والفكر، في سبيل كتابة مادّة دسِمَة، أو إلقاء محاضرة ما، يكون لإحداهما صدمتُها الإيجابيّة لدى شريحةٍ واسعةٍ من القرّاء والقارئات، والمستمعين والمستمعات، فإلى هؤلاء، أو إلى شريحةٍ منهم القول: اتّقوا الله في الصّابِرَيْن: القارىء والمستمع، وهذه التّقوى لا تشتدّ جذورها، ولا تنمو بذورها، ولا تتسامقُ أغصانها والفروع، إلّا بالصّدق الفنّي، والصّدق الإنساني في النّسج والتّحبير والتّنوير، وهذان الصِّدقان في الأُسِّ والأساس منبعهما القلب الصافي الأبيض، وقديماً قالوا: “منطقُ القلب لا جِدالَ فيه”، وقالوا: “الكلامُ الصّاعدُ من القلب، هابطٌ أبداً في القلب”، فهل بعد هذا وذاك وسواهما، يُؤمن أحدٌ من أرْباب الكَلِم بشعره ونثره، (أنّ الغيوم تصنع ظِلّاً ظليلاً)، لِمَن أراد أن يتجنّب لظى الصّيف وأذاه؟!
زبدة القول: إنّ العاقل من بني آدم وحوّاء، لا يمكن له بَتّاً الرّضا عن هذه المقولة، لأنّ الغيوم لا يمكن لها بالتجربة والعيان أنْ تحمينا من حرارة الشّمس القائظة، ومن جحيم الحرارة في فصل الصيف، خاصّة في “آب اللهّاب”، وللقرّاء جميعاً ثوابت المودّة، وصدقيّةُ الكتابة، ونقاوة التوجّه، بعيداً عن ضجيج الغَوْغاء والغَوْغائِيين، وشُرورِهم، وتقوّلاتهم البلْهاء..
وجيه حسن