حين يأخذك الوجد في حنايا التأمل،وتغور نفسك في مهاد أعماقك ،وهي تنسرب في أعطاف الأنين المتقد فطنة حيال صليل تفاصيل تتمطى على مسامات حروفك همهمات من بوح صمت يمر على شفاه وطدت ذاتها لرغائب ابتسامات ترجوها لكن جراح الكلمات الطالعة من خدر ألف سؤال وسؤال وغابات من أمنيات تتعثر فصاحتها, وقد خضبت بهاء بسقيا سلافات من آمال و آلام لترتعش مثل أيد أشعلها لظى على أبواب تحن إلى عبق ياسمين وواقعها سفر في عباب من غياب ومساحات من ضباب حين ذلك تمسك ذاتك في مغانم التفكر ، فتندفع في خاطرك أسراب من تصورات تمد أجنحتها انزياحات لتلاوين من خيوط متداخلة و جدلية تقرؤها و تقرأك عبر مناجاة لكأنك تسكن غرفة بملايين الجدران ، وفيض وجدانك دنيا من وشائج ينسجها الواقع تلافيف من جمل و عبارات و أكثر من حروف و كلمات ، و أنت الحالم المسافر على ضوء القمر ، تجود بأنغامك إيقاعات من تنهدات على مسارب من تأملات ، وفي نشوة الذات الطافحة غنى لآمال واعدات من فطن النباهة وحذاقة الحدس و عراقة الجهد ، وحصافة الدربة في دروب التجارب و عراك الأيام و تضاريس النفوس و غواية اللهفات ، وسرح البوح نسمات بين وريقات مواقف تسكنها الذكريات و يحدثك بها الحاضر تنكمش همتك لبرهة تصدع قول على فعل ، ومع ذلك يشدك الشاطئ الممراح تغنيك النوارس ، و تستهويك المرساة و تغتبط لأمواج أتعبتك لكنها كانت حراك المد و الجزر في أنها صدى الأيام .
حين يأخذك الوجد في مآقي لحاظ العيون طفرت منها دموع هي لآلئ من زمرد ومرجان منسابة على خد أسيل تقص حكاية بمثخنات الأحزان أو ما يفوق الكلام سعادة رجاء في فرح تقرأ في منمنمات الثواني كل القوافي و القصائد و المطولات ، وكذلك في حبات عرق تنضح بها الحياة شهامة كد على متاعب صدق في عمل ، و غيرها حبات عرق يندى منها الجبين توعر سلوك في جشع أو استقواء أو استغفال لأناس رقتهم في سمو نبلهم ، و سعة وعيهم في تجاوز كل استغفال أو تشاطر مقنع مسلع فتطالعك مقطعات تلوك مضغ قوافيها ، و تمضغها بأضراس الكتمان وقار فطن أدرك الضحى فهانت عليه أشعة المصباح وهو رهن زمان يتشربه ومكان هو راحل فيه في خطو العتبات تباعا و حسبك إطلالتك من عرزال صوب ثغور ورد نفحها مطالع الأصباح ، و مبسمها شموس نحو نهور هي مفردات الزمان على سطور الأيام فتقرأ ذاتك نبوغ لماح في سؤدد كل مسوغ ، و على مطلول المعلقات تنتبذ لذاتك زاوية في سوق عكاظ ، فإن خبا ضوء طموحك في حلم فحسبك أن تلتف بعباءة مقصبة من روي القوافي وهي تغني ( هل غادر الشعراء ) و إذا الليل أضواني . ويا فؤادي لا تسل أين الهوى ؟ ولا تلم كفي إذا السيف نبا .. عندئذ حُطّ الرحال وتملَّ من مشهدية صور ما بين الذاتي و الموضوعي و تفرج على اختلاط حابل بنابل ، و أمنيتك فرج قريب في سعادة وعي بذاره إرادة إدراك شمولي أن الشعور بالذات و الآخر شعر فيه ديوان الضمير الجمعي ، و قافيته اعتباط خير على خير كرم طائي ( وأن الكريم للكريم محك) تصير الكلمة مخدع أحلام ، هي نهب الريح وعويل التعب في تخوم لاوصتها صخور ، وامتد فيها زمان حقولا ما انتشت فيها بذار ، لها الغراس كل فيء ظليل إن الشعر وجدان ، وصوت الشعور في اصطلاء الوجد ونباهة التفكير و المعية كل ابتكار ومخزون الكلمة في نضارة وجناتها صدى المصداقية بوحها نطقا عبر ابتسامة تزفها إشراقات نظرات فتتآخى في قول قلب على عقل ، فيغدو الشعر كل ديوان لحكايا الروح حيث الإنسان و الحياة.
نزار بدّور…