عندما أنهيت كتابة أول رواية لي .. عرضتها على أحد الأدباء من أصدقائي فقال لي بعد أن قرأها : ( إنها رواية رديئة !) شعرت بقليل من الحزن و الكآبة .. ولكنني عندما أعدت قراءتها كما نصحني .. اكتشفت حقاً أنها رواية رديئة .. فأعدت كتابتها مرة أخرى ، ثم عرضتها عليه فقال لي : لم تزل رديئة ، ثم قال لي عدة نصائح أدبية ، فأعدت صياغتها أكثر من عشرين مرة ، وعندما تقدمت بها لإحدى المسابقات الأدبية العربية نالت المرتبة الأولى ، أريد أن أقول أنني تقبلت نقده بصدر رحب وإلا لما نجحت الرواية .. وعلى سيرة النقد والنقد الذاتي تذكرت نقار الخشب الذي ينقر خمس عشرة مرة في الثانية ويستمر في النقر حتى يجد غذاءه وهو ينقر أكثر من خمسين مليون مرة في حياته .. وهو يتحمل ذلك .. وكذلك الشجرة المنقورة .. بينما نحن كأناس لا نحتمل النقد .. وتالياً سوف أسميه النقر والنقر الذاتي ، لأننا نشعر أن هذا النقد يشبه النقر على الرأس ولو عدنا إلى تاريخ الشعوب المتحضرة لوجدنا أن النقد هو أحد أسباب نهضة هذه الأمم .. فلماذا نحن لا نحتمل النقد ؟! في الحقيقة هناك أسباب عديدة ، وعلى رأسها قلة المعرفة ، فكلما كان الإنسان جاهلاً كان أقل تقبلاً للنقد والنقاش ، ويقال عن هذا الإنسان متحجر ، فهو لا يقبل أي رأي فوق رأيه ، ويظن أن معلوماته هي الصحيحة ، وتصرفاته هي السليمة حتى لو كان على خطأ ، ومن جهة أخرى ربما لم يجد إنساناً آخر يصارحه بغلطه .. بسبب خجلنا أو خشية جرح مشاعره .. لأننا نرى في هذا نقراً على الرأس يشبه نقار الخشب ، أما السبب الآخر لعدم قبولنا نقد الآخرين فلأننا لا نمتلك النقد الذاتي لأنفسنا .. وهذا يشبه الغضب السريع عند الإنسان المخطئ.. فكلما كان الإنسان أكثر غلطاً كان أكثر غضباً .. وهذا لا ينطبق على الأفراد فحسب بل ينطبق على المجتمعات والمسؤولين وجميع الجهات المسؤولة عن تطبيق القوانين والآن إليكم الأمثلة التالية : ما الذي سيحدث لو شرح وزير الكهرباء حقيقة مشاكل الكهرباء في بلدنا ؟
وتم التواصل معه من قبل المواطنين والرد على أسئلتهم ..فمعرفة المشكلة هي نصف الحقيقة ..وماذا لو أجرينا لقاء مع مديري الكهرباء في كل محافظة ونسألهم سؤالاً واحداً : هل ينقطع التيار الكهربائي في منازلهم ؟! هل هم مثلنا ينتظرون شهرين أحياناً للحصول على اسطوانة الغاز ؟ !
وهل تحدث مشكلة لو قام كل معني بالإدلاء بحديث صحفي يوضح لنا فيه لماذا لا تستطيع الجهات المعنية منع لصوص الكهرباء عن سرقتها ؟! وأنا أتساءل شخصياً .. ماذا لو عوقب شخص واحد جراء ارتكابه سرقة التيار الكهربائي ؟؟ ..فالجميع يعلم أن الامراس الكهربائية استبدلت بمادة الألمنيوم عوضاً عن النحاس ..ومن المعروف أن المادة الأولى لا تتحمل عبئاً كمادة النحاس ..ولهذا فاللصوص الذين يسرقون الكهرباء يتسببون باحتراق الامراس وذوبانها أحياناً .
وأعود للتساؤل ..لماذا لا يخبرنا أصحاب الأفران عن سبب سوء رغيف الخبز ؟! إلى متى سنبقى نشعر أن النقد والنقد الذاتي هو نقر ونقر ذاتي على رؤوسنا ؟!
د.نصر مشعل