أتفحص صوري القديمة مع أصدقاء أو جيران أصبحوا خارج نطاق الحي الذي تربوا به وسكنوه لسنوات طويلة بعد أن هجّرهم الإرهاب ودمر بيوتهم فلم يتمكنوا من العودة إليها بسبب تكلفة الترميم العالية التي تفوق طاقاتهم المادية ، ومنهم من وجد عملا ً آخر خارج المدينة وربما في أحياء أخرى أكثر حركة ليبقوا على حياتهم المعيشية متوازنة أخذتهم ظروف الحياة إليها .
جلست في مواجهة صوري القديمة معهم والتي كنت أبتسم فيها وأضحك ملء شدقي ، لاحظت أنني لم أعد أبتسم في صوري الجديدة ، بل ينتابها جو من الجدية والتي جعلتني أقارن وأتذكر أن لحظات الفرح زائلة فلنستغل كل لحظة فيها …. تفاجأت بالشكل الذي تغير، تمكن منه الصراع مع الحياة ومحاولة الوقوف في وجه تحدياتها وسد الثغرة التي يأتي منها الريح، ليشتعل سعير حب الحياة في نفسي ، لكن سرعان ما يخبو الاشتعال وينطفىء السعير وأعود إلى التشاغل بطقوس حياتي اليومية ، أعمال منزلية من طبخ وأكل وشرب ونوم ومن ثم الذهاب إلى العمل والتفكير بيوم وصراع جديد في حياتنا المعيشية…
قد أصادف خلال يومي أشخاصاً يعانون لأرد عليهم .. “ما بعد الضيق إلا الفرج” … ذلك هو المهماز الذي يدفعني لمواصلة العمل والحياة ..
فأعود إلى المنزل وأحاول إزالة الغبار عن صوري القديمة التي تسقي الذاكرة وتزرع التفاؤل وتعيدني إلى عالمي الواسع مع أصدقائي وجيراني القدامى ، صاروا بعيدين عني لكن صورهم في ذاكرتي وصوتهم مازال يرن في أذني متصاعداً من مطابخهم الزاخرة بالمأكولات اللذيذة الرائحة والطعم والتي اختفت الآن في إطار الماضي ..
سأختار من صورهم تلك التي تشعرني بالحب والحنين لنسيان هشاشتي الحالية وتضعني ببساطة أمام حقيقة أن كل لحظة في حياتنا الماضية والآنية قابلة للمراجعة ..
عفاف حلاس