تحية الصباح… يسبقني قلبي إليك …!!

يخذلني قلبي دائماً ،فيسبقني إليك …أقول سأبتعد عنك لأشتاق إليك …تمضي أيام قليلة فأجد نفسي في لهفة إليك ،وكأنني ابتعدت عنك عدة سنين وليس عدة أيام ….!!

أي ولع تتركينه في قلبي وفي عقلي …أي عشق طفولي ،يجعلني أراك أمام عيني .!!

طريق مدرستي المحفرة ،أضحت معبدة ،واسعة وجميلة .رفاق طفولتي طوى الردى بعضهم …والبعض الآخر تفرقوا في مناكب الأرض, معلمونا الذين أشهروا العصا بوجوهنا كي نتعلم ونتأدب كم أشتاق لرؤيتهم وأغلبهم صار في ذمة الله ..!!.المدرسة الابتدائية لها تاريخ مبنية من الحجر ،ثلاث غرف كبيرة ،عرض جدرانها متر ..بناها معماري شهير من آل معماري من الحميدية بحمص وقد تبرع ببنائها والعمل فيها أهل القرية .

كم أشتاق إلى أيام زمان …!!أين وجوه رفاقي ..أين البراءة والمحبة ،أين الجيران والجار قبل الدار …قبل أن تسكب لنا أمي الطعام في رمضان ،ترسل منه للجيران … أين الإخوة والأخوات؟ وبعضهم أشحن بوجوههم عمن أفنى عمره من أجل تعليمهم وتزويجهم …!!

كم “أشتاق إليك يا أبي , ليتك تنهض مرة واحدة وتمسك بيدي ..إلى أرضنا …إلى أيّ مكان , بعد ست وأربعين سنة من الغياب

لا أزال أسمع  صوتك ..وأعرف وقع خطواتك , سأبقى أزورك وأبكي عليك كلّما ضاقت بي السبل . كل المفردات تعذبني يا أبي …ما الذي فعلته أنا .!! وهل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان …!!.أنا الذي اهترأ كتفي بسبب “تنكة الباطون “وأنا أعمل أيام العطل الصيفية عديدة في أثناء دراستي الجامعية ..!!أنا الذي أوصدت باب دارنا أمام الخطاب ،وقلت لهم :ليس لدينا بنات للزواج …بناتنا يدرسن وينلن الشهادات ويؤمنن العمل ثم نفكر بتزويجهن …أليس هذا ما كنت تريده مني يا أبي أن أقود البيت بحكمة مع أمي .

علمتنا يا أبي ألاّ ندعو على أحد ،بل ندعو له :”اللهم اشمل بهدايتك من يقاطعني ،واجعلني أعطف عليهن بجزء من عطفك عليّ …!!”

أعود إلى الضيعة ،هكذا يحلو لي أن أسميها ،لأشمّ رائحة البخور الذي توقده أمي احتفاءً بي ،ورائحة الأرض التي شبعت من نعمة السماء ،وأصغي إلى خرير النهر قرب بيتنا .

“أقول لها وأنا أبكي :أيرضيك ما يحصل لي يا أمي ؟!!”

تقول باكية :”لا ،والله .ما دمت على حق ..فالله معك وأنا معك …فأنت اعتدت على المحن والشدائد ونكران الجميل من كثيرين …”

آه ..يا أمي أنت تذكرينني بتلك السيدة العظيمة التي قالت لولدها :

“إذا كنت على حق فلا تخشَ لومة لائم “

نلتقي مصادفة ،صديق طفولتي وأنا ،في تعزية .والتعازي صارت السبيل الوحيد للقاء ،.مكان التعزية هو المدرسة الابتدائية التي صارت “مبرة عزاء “.يقول لي :

“أنا كنت أجلس في الزاوية باستمرار ..أنت كنت تجلس في المقعد الأول ،وكنا نحتج لأنك أكثر طولاً منا …غير أن المعلّم كان يعطيك فرصة اختيار مكان الجلوس …ربّما لأنك كنت ولداً “شاطراً”…

أضحك وأقول :”ربّما ….!!”.

أشتقت إليك يا أبي ..ليت المكان يتسع لأستريح بجانبك بعد ما يسترد الله أمانته …!!لا أريد أكثر من ذلك .

لا أريد قبراً مبنياً بالرخام ..أنا لا أحب الرخام ..ولا أبيات شعر تجعلني من شجعان العرب وكرمائهم ….!! ومن استمر في مقاطعتي ولم يتقدم خطوة باتجاهي لألتقيه بخطوتين مصافحاً ومعانقاً ،فأدعو الله أن يسامحه …

*عيسى إسماعيل

المزيد...
آخر الأخبار