أقيم حفل توقيع رواية الريشة البيضاء للروائية الدكتورة لين غرير في قاعة الدكتور سامي الدروبي بحضور جمهور من المثقفين ومتابعي الأنشطة الثقافية .
الدكتور نزيه بدور قدم مداخلة نقدية عن الرواية قال فيها : الكاتبة بذوقها الأدبي الراقي، وأسلوبها الفني الجميل، استطاعت أن تشخص الحياة في شخوص، وان تقف وراء الستار، وتحرك تلك الشخوص وتنطقها بما تشاء، تجعلنا نصدق فعلاً ما يحدث عبر الكلمات وكأننا نشاهد مسرح الحياة الغنية بتلك التفاصيل الملونة بالعشق والمغمّسة بالمآسي والمختلطة بالأفراح العابرة.
ورأى أن أجمل ما في الرواية تلك اللغة التي نمنمتها على طريقتها, لغةٌ أدبية مشحونة بالعواطف والانفعالات ومحمّلة بالمعاني والأفكار وبواسطة تلك اللغة العذبة الشفيفة تنساب أحداث الرواية انسياباً ناعماً يأسر القارئ.
وأضاف: إن الريشة البيضاء بطلة الحكاية – والأبيض رمز الصدق والنقاء- تتنقل في ربوع الوطن من العاصمة دمشق إلى ساحل البحر وصولاً إلى حمص. وتعرض الكاتبة بحسّ وطني مسؤول معاناة أهالي حمصَ القديمةِ وبالذات حيِّ الحميديةِ وقد سيطرتْ عليه جماعاتٌ إرهابية مسلحة.
رعبٌ وقلق, امرأة خُطفَ ابنُها وشبابٌ يهاجرون الواحدُ تلو الآخر إلى بلاد بعيدة وأهلهم يتمسكون ببيوتهم مغامرين بحياتهم, ولا خيارَ آخر, والبعض هجر بيته إلى منطقة آمنة وسكن بيتاً مستأجراً يطالب صاحبه دوماً بزيادة الإيجار.. ودفعت الكاتبة في روايتها بالكثير من وصف الجزئيات في سياق السرد رغبــة فــي كشــف عــوالم الحياة وخلقت من رَمزية الريشة صورةً فنيةً, رصدت الوهنَ في النفوس, كما التقطت لحظات الأمل والخيبة, الحب والحرمان… في البيوت المتخمة بالثريات الفاخرة كما في المشافي وعيادات الأطباء وبيوت الفقراء وسط ركام أبنية المدينة.
وختم بالقول: الكاتبة أثبتت أنها روائية متمكنة من أدواتها الفنية وتتمتع بتلك الخلفية الثقافية والرؤيا الاجتماعية والتاريخية التي ينبغي على الروائي أن يمتلكها وهو يلج عالم السرد الفني الذي يطبع بصمته على حياة الناس ووعيهم وذائقتهم الفنية.
وقدمت الشاعرة ميمونة العلي مداخلة نقدية قالت فيها :الرواية تتألف من ثلاث وثمانين حدثا منفصلاً الرابط بينهم ورودهم على لسان ريشة بيضاء سقطت من جناح حمامة لتحكي قصة حرب عصفت بالجميع وهي بذلك رواية اجتماعية نقدية واقعية.
المكان ليس أساسيا في بنية الرواية وظفته الكاتبة لتؤكد واقعية ما تسرده من مصير الشخصيات التي تتنوع بين كل حدث وآخر ، لكنها عبرت عن وجع المرأة فمعظم اللوحات تتحدث عن أوجاع الأنثى قبل الحرب ثم تفاقمها أكثر خلال الحرب والشخصيات منتقاة بعناية تجعل المتلقي قادرا على تعرية جانب من شخصيته كان غامضاً أو مجهولاً عندما ينهي قراءة معظم اللوحات وهذا يؤكد نجاح الكاتبة في إقناعنا بوجهة نظرها حين تقمصت ريشة رفضت أداء دورها الممل في جناح ، وأضافت إن القارئ لا ينسى الرواية فهي ومضات اجتماعية تقص فيها الكاتبة رأيها وهي تتطاير في الفضاء المكاني للرواية لتنقلنا إلى عالمها الخاص في محاكمة كل ما تقع عليه عينها بلمسات أنثى تتقن فن الاعتناء بالتفاصيل وتحاكم مفاهيم اجتماعية تربى عليها الجيل الذي عاش سنوات الحرب فالزمن يبدأ من آذار 2011 ليمتد حتى إخراج المسلحين في أيار 2014 وعودة المهجرين إلى منازلهم .
ولاحظت التنقل السلس بين صوت الراوي (الريشة) مع صوت الكاتبة وصوت الشخصيات مما مكن الكاتبة من طرح فكرة عدم وجود أدب محايد ، فكل فن لا بد أن يتأثر برأي منتجه ، ورأت أن هناك مناجاة ذاتية تتداخل فيها صوت الكاتبة مع صوت الريشة لوصف الانعطافات الكبرى في التفكير من خلال الحرب دون أن تطلق أحكاماً …
الكاتبة أتقنت التنقل بين الألغام والقذائف فهي لا تطلق أحكاما ، تنقل الواقع بأمانة وتترك الحكم لنا .
والرواية تحتوي أحداثا من الرقم واحد حتى الرقم ثلاثة وثمانين ، أي لا مفتاح يربط القصة مع التي قبلها سوى التسلسل الرقمي مع أن لغة الكاتبة شاعرية بامتياز وهذه الشعرية جاءت عفو الخاطر دون إقحام لتخدم الفكرة الحدث في سياق السرد ، أي أن الكاتبة لا ينقصها الإحساس اللغوي والعاطفي في عنونة الفقرات.
وختمت بالقول : إننا أمام منتج أدبي شائق ومدهش ينتهي مع انتهاء رحلة الريشة المتمردة على الجناح باختيارها الركون للراحة والإقامة في عش للتوافق مع عودة المهجرين إلى بيوتهم.
عبد الحكيم مرزوق