أدب المهجر ، غصن جميل من دوحة الأدب العربي، وقد أعطت حمص لهذا الأدب الكثير :نسيب عريضة ،بدوي فركوح ،نصر سمعان وندرة حداد وآخرون من الشعراء .
أسرة حداد الحمصية المقيمة في الأصل في حي الحميدية ، هاجر عدد كبير من أفرادها إلى أمريكا الشمالية ( نيويورك) ومن هؤلاء أسرة ندرة حداد الذي ولد عام 1881 وهاجر إلى نيويورك 1897 مع أسرته ومنها شقيقه عبد المسيح .
ديوان هذا الشاعر صدر قبل أسابيع في حمص وهو نسخة جديدة تضم ديوانه الأول ” أوراق الخريف ” وقصائد جديدة لم تظهر في ديوانه الصادر عام 1946 أي قبل وفاته بتسع سنوات ، هذا الديوان جاء بتحقيق واستدراك واعتناء الدكتور حسان أحمد قمحية الذي حقق ونشر الكثير من الكتب عن أدب المهجر .
وقد كان ندرة حداد أحد شعراء الرابطة القلمية التي كان عميدها جبران خليل جبران ومن أعلامها الأدباء ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي ، ورشيد أيوب، وليم كاتسغليس، والياس عبد الله ، وعبد المسيح حداد الذي أصدر صحيفة (السائح) لسان حال الرابطة .
كان ندرة حداد شاعرا ً لامعا ً وشعره فيه لمحات إنسانية وحكمة ودعوة إلى الأخوة والتسامح ، يقول في قصيدة تحمل معنىً إنسانيا ً راقيا ً :
/ أنا راض بالعصا ياأيها الحامل رمحك
وسأرضى خبزك الأسود في الحب وملحك
وسأنسى جرح قلبي كلما شاهدت جرحك
وأرى ليلك ليلي ، وأرى صبحي صبحك
وإذا أخطأت نحوي، فأنا الطالب صفحك/
ويفخر ندرة حداد بانتسابه إلى أمة العرب، ويعلن ذلك بصوت شعري قوي ، يتكرر في الكثير من قصائده ، يقول في قصيدة ( ذكرى الغريب) :
/ لا زار جفني الكرى ، لا هزني الطرب
إن كنت يوما ً لغير العرب أنتسب
- هم الكرام وأبناء الكرام هم
- القوم الأماثل في الدنيا وإن نكبوا
- هي الحياة ، فأحلاها وأجملها
- ألا أراني عن الأحباب أغترب /
- وحمص التي رأى فيها النور وأمضى طفولته فيها ، لها في شعره ذكر كثير ،
- يقول في قصيدته / كلما/ :
- / هكذا كلما سررت بأمر
- لاح في الحال رسم حمص لفكري
- فتمنيت أن أرى في العمر
تربة أشتهي تكون لقبري
عند لفظي الأخير من أنفاسي / .
ويعدد في القصيدة معالم حمص، ومنتزهاتها ، فهي روضة غناء ، ونهرها لاينسى ، يقول:
كلما كنت جالساً في المساء
قرب نهر في روضة غناء
و رأيت الصفصاف من فوق الماء
شبه أم تحنو على الأبناء
خلت نفسي في دوحة الميماس
و للرثاء في ديوانه حضور كبير فقد رثى أعضاء الرابطة القلمية الذين رحلوا قبله و هو في رثائه يعدد خصائل الراحل و يؤكد أن المبدع لا يموت…
يقول في رثائه للشاعر جبران خليل جبران عميد الرابطة:
كل صعب من الخطوب يهون
إن علمنا أن الحياة المنون
ما بكينا جبران من صدمة الموت
و دمع الباكين غيث هتون
فوداعاً جبراننا يا خليلاً
عشقته قلوبنا و العيون
كنت حيا و هكذا سوف تبقى
و حبيباً و هكذا ستكون
و لعلنا نذكر أن كل أشعاره و أغلب أشعار أعضاء الرابطة نشرت في صحيفة / السائح/ التي رأسها ندرة نيابة عن شقيقه عبد المسيح بعض الوقت, و عبد المسيح حداد اشتهر كصحفي و مؤسس لهذه الصحيفة الناطقة باسم الرابطة القلمية التي تأسست عام 1920 و انفرط عقدها عام 1931 .
و ثمة امرأة من أسرة حداد اشتهرت بأعمال الخير و حب الوطن هي ابنة عم ندرة و هي “كرجية عبد الله حداد ” التي تبرعت ببناء ساعة حمص الجديدة عام 1955
و تخليداً لذكراه هناك شارع في حي الحميدية يحمل اسم ” ندرة حداد ” و إعادة طبع ديوانه عمل كبير يشكر عليه الدكتور حسان قمحية الكتاب ” ديوان ندرة حداد أوراق الخريف و قصائد أخرى .
– قدم له و استدرك عليه و اعتنى به د. حسان أحمد قمحية.
عيسى إسماعيل