ظاهرة الاستدانة …مجبرا أخوك لا بطل…

منذ القديم كان موضوع الاستدانة ومازال همّ لصاحبه ، لكن الحاجة تودي بصاحبها إلى اختيار ما لا يريده خاصة في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي تمر علينا جميعاً..  والمعروف أن الدّين ” هَمٌّ في الليل ومَذلَّة في النهار” ، ماذا لو كان هذا الدّين مادياً، يَجثم على صدر صاحبه ؟ وفي المقابل يؤرق الشخص الذي عمل معروفاً سابقا، بسبب الخوف أو القلق من عدم استعادة ماله؟ مشكلة شائكة ومُعقَّدة تلك التي تتشكّل لحظة الحديث عن الدّين المالي، بين الدّائن والمدِين.  

تحدثنا مع بعض المواطنين حول هذا الموضوع وما رأيهم بالشخص الذي يلجأ إلى الاستدانة فكانت الآراء التالية :

أحمد الحسين ” موظف ” قال : من الصعب أن تطلب من الآخرين مساعدتك على إنجاز أمر، لكننا في هذه الظروف القاسية نرغم في بعض الأحيان , والأصعب هو طلب مساعدة مادية، أو مبلغاً من المال كسلفة من أحد الأصدقاء أو الأقارب ، على أن نقوم بإعادته  بعد فترة،  والأكثر صعوبة شعور الشخص الذي يطلب السلفة بالإحراج .

 الدين الماديّ يُقلق في الغالب الدائن والمدِين. فهل ذلك القلق يعود إلى أن الأمر يرتبط بالمال فقط أم هناك أسبابا أخرى بتنا نعيشها خاصة مع الغلاء الفاحش لأسعار المواد مما يشكل رعبا حقيقيا للجميع .  

زمن صعب
يقول قصي ” رب أسرة” أنه حين استدان يوماً من أحد الأصدقاء، لم ينم الليل بطوله ولم يعرف كيف طلع الصباح، ليذهب إلى المصرف ويسحب النقود التي استدانها ويعطيها لصاحبها.

  يقول: “كان ذلك بسبب عطل في آلة الصراف وكنت مضطراً يومها إلى المال ، لأشتري بعض الحاجات الضرورية التي لا يمكن تأجيلها فرأيت أن أستلف من زميلي في العمل .

ويطرح ماجد وجهة نظره قائلا : تغيّر الزمن وحلّت الوقاحة مكان الحياء والخجل، وبات (الفاجر يأكل مال التاجر) فهذه عملية قرصنة ونصب، يقوم بها في الغالب أقرب  الناس إلينا”. ويتلوّن صوته بحزن عميق : “هذا القريب  أخي. طلب مني في يوم من الأيام مبلغا من المال ، بحجة غلاء المعيشة واضطراره لإجراء عملية لابنه ، فبعت سيارتي التي أملكها  لأؤمِّن له المبلغ”. ولكن للأسف .. عندما تحسنت أوضاعه لم يُعِد لي حقي .. يتابع قائلا: أخجل أن أتحدّث عن أخي لكن الحاجة صعبة ..  على كل حال لقد انتهت القصة منذ سنوات حيث  قرر عدم تسديد الدين .
 مصير محتوم
التطنيش ليس التفسير الصحيح للموضوع ، تقول سوسن عبد الله  “موظفة”  باقتضاب، قائلة: الموضوع هو أكبر من ذلك، أقله معي أنا شخصياً. نحن من الناس المدينين ولا نملك أن نعيد الدين المستحق علينا”.

و بخجل كبير، تجتهد مرام لتخرج الكلمات من فمها، تبوح: “الدين بشع والشعور بأنك مدين لأحد، يقصم ظهرك ويحني رأسك لا أعرف كيف أترجم مشاعري، ولكنني أشعر بالاختناق، في كل مرّة أتذكّر الدين الذي راكمه زوجي علينا، بسبب إدمانه الاستدانة للعيش في رخاء “.
تَدمَع عينَاها   وتضيف : “لا أنام الليل من هاجس الدين، أخاف على نفسي وعلى ابني الوحيد وعلى زوجي، من أصحاب الدين ومن مصيره المحتوم عند عدم السداد وهو السجن ..
جزاء المعروف
كثيرون استدانوا مني ولم يعيدوا دينهم هكذا بدأ حديثه “السيد مظهر” قائلا : “أملك مستندات تدين هؤلاء الأشخاص لكني أرفض تقديمها إلى الجهات المختصة، لأني أكره أذية الناس الذين أحببت مساعدتهم فيما مضَى. إضافة إلى أنني لا أريد خسارة المزيد من المال على المحامين، وتضييع وقتي في المحاكم. ثم إنَّ بعض هؤلاء مقرّب وعزيز إلى قلبي، وثقت به كثيراً في وقتها .

لا أرد المحتاج
منير “تاجر جملة قال : أنا متوجّه حالياً إلى منزل أحد أقربائي لأقرضه مبلغا من المال  طلبه منّي بحجّة غلاء المعيشة ،  وأنا أدرك جيداً أن هذا المبلغ لن يعود إليّ، ولكن ليس باليد حيلة. إذا كنا نقدر على مساعدة محتاج فيجب ألّا نتردد”.

هذه  ليست المرّة الأولى، التي أعطيت  أحدهم المال. في الغالب لا يُعيدون دينهم إليّ ويطنّشون. وبصراحة مازلت إلى اليوم لا أطالب بمستند يثبت تسليفي لهم، إلّا في حالة استدانة أحدهم مبلغاً كبيراً”.
وأضاف “بسخرية ” الثقة أحياناً تخون صاحبها، وهذا ما حصل لي جرّاء ثقتي ببعض الأشخاص الذين لم يكونوا أهلاً لثقتي. ويقول: “أرى أني طيّب أكثر من اللازم، وهذه صفة يستفيد منها الآخرون ويستغلّونها. ولكني في قرارة نفسي، بدأت أتّعظ من سوء تصرف بعضهم، وإذا طنّشت عن طلب سداد ما يدينون به لي، فلأنني أريد ذلك بطيبة قلب، وليس لأنني أخجل منهم..
احترام الشروط
 أم تميم ترى أن “الدَّين ليس عيباً إذا احترمت شروطه”،  تأخذ أم تميم نفسا عميقا وهي أم لأربعة أولاد وتقول لديّ تجارب كثيرة في موضوع السّلف. فكم من مرّة سلّفت أشخاصاً كنت أدرك تماماً أنهم لن يعيدوا إليَّ ما يقترضونه منّي”. تبتسم بحزن و تضيف: “في الواقع لقد كتبت وصيّة لأولادي، أقول فيها إنني سامحت كل المدينين لي. لن أحمِّل أولادي وزر تحصيل ديون من المستحيل استعادتها”. وتابعت :  أنا أعطي الناس المال لأفك ضيقهم. أساعدهم ولا أنتظر مقابلاً، وقضيت عمري لا أسألهم ردّ ما أخذوه منّي، علماً بأنني مررت بظروف صعبة، وكان في إمكاني المطالبة بالدين الذي لي عليهم، لكنني لم أفعل”.

بشرى عنقة- منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار