يقول المثل الشعبي في وصفه لحال مستحيلة: “مقسوم لا تاكل وصحيح لا تقسم وكول لحتى تشبع!!”، وهذه حالنا مع أسطوانة الغاز التي تحوّلت إلى أسطوانة غنائية نعيدها كل يوم بعد أن أصبحت الشغل الشاغل لنا.
لن أتحسّر على أيام الزمن الجميل، حين كان بائع الغاز يجوب الشوارع ويزعج الناس بصوت طرقاته على الأسطوانات وهو يصيح: “غااااز…. غااااز”… ولن أتحسّر على الأيام التي أُلزِم فيها الباعة باستبدال صياحهم المزعج بأغاني فيروز ليكون وقع مرور سيارة الغاز لطيفاً على أسماع الأهالي، لأن التحسّر لا يجلب سوى الاكتئاب وألم الرأس والأرق.
فنحن اليوم أمام أمر واقع وعلينا أن نتأقلم معه، لذلك فحين تمّ الإعلان عن استلام أسطوانة الغاز كل ستين يوماً، أصبحنا نقتصد باستهلاك الغاز قدر الإمكان، رغم أنني على يقين تام بأنه من شبه المستحيل أن تستطيع أي عائلة الاكتفاء بأسطوانة واحدة طوال ستين يوماً.
ولأن حال الناس (من بعضه) أصبحنا نلجأ للطرق البديلة التي يستخدمها الجميع، من الاعتماد على مدافئ الحطب أو المواقد الخارجية في الطبخ، والاستعانة بغاز السفاري الصغير، أو استخدام (سخانة الكهرباء) -إذا توفرت الكهرباء- إلى ما شابه ذلك من إجراءات.
لكن ورغم أننا رضينا بالبَين؛إلا أنّ البَين لم يرضَ بنا، فحين قررنا ضبط مصروف الغاز بالشكل الأمثل، قمنا بوزن الأسطوانة قبل وبعد استخدام الفرن لمعرفة مقدار الاستهلاك والتقليل من الاعتماد على الفرن في الطبخ، وبطبيعة الحال أخذنا وزن الأسطوانة الجديدة لكي نقيس الاستهلاك ونأخذ الإجراءات اللازمة عند اقتراب نفادها، وبما أننا نعلم بأن وزن الأسطوانة الفارغة هو 14 كغ، ووزن المليئة هو 24 كغ، فقد ضبطنا الاستهلاك وفق الوزن المتعارف عليه للغاز المعبأ بالأسطوانة وهو 10 كغ.
وكم كانت فرحتنا كبيرة عندما شارفت مدة الستين يوماً على الانتهاء ووجدنا وزن الأسطوانة 17.5 كغ، بمعنى أنه مازال لدينا 3.5 كغ من الغاز، لكن الفرحة تلاشت عندما انطفأت النار تحت ركوة القهوة لتتركنا في ذهول!
3.5 كغ من سائل ما؛ هو بدون أدنى شك ليس غازاً مضغوطاً، بمعنى أننا نستلم الأسطوانة الجديدة بثلثي الكمية المخصصة لنا من الغاز والتي يفترض بها أن تكفينا ستين يوماً!
بالتأكيد لا يقع اللوم على الموزّع، فهو يسلمنا الأسطوانة كما يستلمها بنفسه، وللأسف هذه الأسطوانة نفسها تعيد دورة الحياة نفسها، فتعود إلى الجهات المعنية لتُملَأ غازاً فوق كمية الـ 3.5 كغ الموجودة فيها أصلاً من الماء أو أياً يكن السائل الذي تحتويه.
لا أعلم لماذا تمّ التخلي عن الختم البلاستيكي الذي كانت توزّع به الأسطوانات سابقاً، ولماذا لا يتمّ تفقّد الأسطوانات -التي باتت بغالبيتها شبه مهترئة من كثرة الاستعمال- ليتم تفريغها من أي سائل يمنع تعبئتها بكمية الغاز المضغوط المخصصة للناس.
هنا لم تنتهِ (أسطوانة) أسطوانة الغاز، فرغم كل ما سبق: (أسطوانة قديمة غير مختومة تحتوي ثلث الكمية ماء)، لم نستلم الأسطوانة الجديدة بعد انتهاء مدة الستين يوماً، وإنما مرّ سبعون يوماً ومازلنا ننتظر الفَرَج، ولكم هو مؤلم أن يكون الفَرَج غازاً قابلاً للاشتعال!
آس يوسف غاله