تحية الصباح .. وجوه الراحلين

لم يكن قبل أشهر من رحيله ،ما يوحي أن العد التنازلي لأيامه في الحياة قد بدأ…كان الشاعر محمد الفهد يتحدث عن مشاريع شعرية قادمة ،وعن مساحات من النور سوف تغمر الوطن وتطهره من جراثيم الإرهاب ..وكان يزرع التفاؤل في نفوس محبيه وأصدقائه وقراء شعره…!!

ولم نكد نستفيق من صدمة رحيل الفهد ،حتى فجعنا بوفاة الشاعر والناقد العربي الفلسطيني الدكتور عز الدين المناصرة ،الذي تعرفنا عليه من خلال كتبه النقدية والشعرية , فكل شعره لأجل فلسطين والمقاومة وتعرية الاحتلال .

وعندما عرضت عليه بعض المناصب  اعتذر وقال: إن سلطة الكلمة هي الأقوى والأبقى …

وقبل ثلاثة أسابيع رحل عن عالمنا الدكتور المهندس والشاعر علي الجراش …

يقول أهل حارته : إنه الولد المدلل ، فهو وحيد أبويه ، قد كبر بسرعة وكان يلعب الكرة في الشارع والساحة مع أترابه …كبر ودخل الجامعة وتخرج منها بتفوق وذهب للدراسة في روسيا ..وعاد أستاذاً جامعياً…!!

كأنما كان يعرف أنه سيرحل باكراً , فأصدر ثلاث مجموعات شعرية ،من القصائد العمودية التي يفخر بها لأن قصيدة العمود الشعري هي الأبقى و تمثل تراثنا الشعري ،وصدرت جميعها عن اتحاد الكتاب العرب الذي منحه العضوية في جمعية الشعر.

صوت أم علي الجراش ،رحمها الله ،لا يزال في أذني قبل عشرين سنة /بالله عليك ..شجع عليا على الزواج ..أريد أن أرى أولاده قبل أن أموت ..!!/ وماتت ولم تفرح بزفافه …ولم تحتضن أبناءه فقد تأخر في الزواج …وأولاده لا يزالون صغاراً …!!

إلقاء الشاعر علي الجراش ،كان مدهشاً وجذاباً ،وحركته التمثيلية وهو يلقي الشعر تضيف بعداً إلى كلماته الشعرية…وفي قصائده غير المنشورة التي هي عبارة عن /اسكتشات / نقدية مرحة ،فيها دعابة يقول ما يريد بكلمات عفوية بسيطة،لكن في قصيدة موزونة ..تثير الدعابة والسخرية المقبولة , وثمة أمر أسمح لنفسي بالحديث عنه يتعلق بكبرياء الشاعر علي الجراش ،وهو أنه شارك بعشرات الأماسي والمهرجانات الشعرية كان آخرها /مهرجان الشيخ صالح العلي /في مدينة الشيخ بدر في طرطوس ،فكان يعتذر عن قبول المكافآت النقدية بأدب وتهذيب ،فلم يتقاضَ  قرشاً واحداً من أي مركز ثقافي أو جهة ثقافية ،على الرغم من تكبده مشقة السفر وتكاليفه للمحافظات الأخرى.

ثمة أمنية لم يستطع الراحل علي الجراش تحقيقها وهي أن /يخدم العلم /فقد أعفي منها لأنه وحيد ..وكنت أواسيه فأقول له :/إنك تحارب العدو ..بالكلمة ..وقصائدك قنابل بوجه العدو ..!!/وكان يرد علي: /الحبر ..ليس كالدم /.

رحم الله الشاعر علي الجراش ورحم الله الأصدقاء الراحلين ..الذين تركوا أثراً طيباً في النفس ،لا تمحوه الأيام ..!!

عيسى إسماعيل

       

المزيد...
آخر الأخبار