تحية الصباح … الأثر غاية نفسه

 دهش النفس زهو نضارتها, وانبهار العقل حيال أمر وقار إعمال التفكير في عوالم الفكر , وسخاء التأمل صمت النبالة في مقاربة ابتكار كل كنه فتتسامر هواجس الخاطر قراءات , وهي ماضية في استكشاف فيض الغنى لمقاربات مطالع تأنس بها النفس ويستطيبها العقل , ويرتعش بجمالها الخيال فيكون التملي ثنائية متعة وفائدة للأثر بماديته , دنياه سحر انجذاب , ولمراميه على مدارجه سحائب من مزن يجود بها كل غيث من وعي , ويُثرى بها كل منبت يحفل ببذار , يشدو على رؤوس زروعه سقيا ماء نمير .. فيكون ” الأمر غاية نفسه ” أكان مغرقاً في ذاتية مبدعه ومتلقيه أم في موضوعية تعدد ظروفه وصروفه , واحتمالات تعدد مبدعيه عبر شفاهية استطال زمانها زماناً في سابقات عصور , وقيدتها دراسات في لاحقات غيرها , من غير أن تفتر عزيمة ذلك الدهش على انتباه حقيقة فروق فردية في تمثل كل معنى ومبنى . كثيرة هي الأشياء التي تأخذنا في معطى الحياة أكانت مادية أم معنوية وترانا في أروقة أبهائها في انشغال ,بل  وضمن ميولنا واتجاهاتنا وطموحاتنا المعرفية غنى لذات عارفة قدرها في سعة علومها وثراء خبراتها وعمقها في جذوة حكمتها .. ترانا نصيخ السمع إلى وقع كل أثر علينا , وفينا  وقع ذلك فطنة أحاسيس , ودراية تأمل , وحساسية انتباه وشفيف مشاعر , ودنيا شعور …. لقد توقف بعضهم عند توكيد الأثر الأدبي ضمن ” النظرية الأدبية ” والبنيوية والرومانسية في تباين قراءات فكانت هناك أراء وسبل نقدية من مثل الشاعر \ بودلير\ – ضمن رأيه – ” يتصور كثير من الناس أن غاية الشعر تعليمنا درساً , أو تقوية ضميرنا أو صقل أخلاقنا , أو كشف ما يفيدنا , لا غاية للشعر سوى أن ندخل إلى أعماقنا , ونحاور أرواحنا , ونستعيد ذكريات انفعالاتنا ..” جميل في توكيد قيمة الأثر بذاته , بلاغة صوغ , وبراعة حياكة , وقيمة مضمون .. لكن هذا لا يحقق تكاملية وظيفة الأثر الأدبي أو الفني بمعزل عن المضمون الذي في حقيقة قيمته الجمالية عمق معرفي ووظيفي تقرؤه وعياً في تصانيف صُعد الحياة و إسقاطات ذلك ما بين الإنسان والحياة , حتى لا تبقى اللغة غاية بنفسها , بل تبقى وسيلة للتعبير , ويغدو الكلام منطلقاً للفكر , ووسيلة لنقل الفكرة إلى القارئ … المتلقي . فالكلمات تمثيل للأشياء التي بوساطتها تبوح عن مضامينها . مع قناعاتنا انبهار الناجز من بعض صيغ لعبارات و أبيات قصائد ومواقف تضج جمالاً في ذاتها إن إدراكنا للنص المفتوح في الأعمال الأدبية أجناساً , وفي الأشكال التعبيرية أعمالاً على تنوع مستوياتها و أصنافها يرسم لنا صورة الانطباع الأمثل ضمن حيوية خبراتنا ومعارفنا ومهاراتنا وتذوقنا , ما بين تأثر في انطباع عفوي , وآخر موضوعي في سعة ثقافة إذ لا نص مقفل , ولا عمل مغلق إذ العلاقة بين المبدع والمتلقي هي تناغم الخاص بالعام , والذاتي بالموضوعي فتتم الشراكة بينهما في تأليف ما أنجز ويُنجز ليصير في الوعي الجمعي التأليف عملاً جماعياً عبر دراسات وبحوث وقراءات لها في متابعات و آراء ونقد كبير أثر , واتساع رؤى . إن هذا يؤسس إلى المزيد من تحفيز الذهن , وتنمية طاقة الفكر , وتعريفنا على زمان و أزمنة أصحاب تلك الإبداعات , و أولئك المبدعين وبيئاتهم وظروفهم وصروف أزمانهم والأدب في مجمله وثيقة فنية علامتاه : تأسيس لواقع , و أثر نفسي لمبدع في إبداع . ولا شك أن الأدب في حيزه نظام خاص للتعبير عن الشأنين : الذاتي والموضوعي تجاذبَ تداخل , فهو من إنسان إلى إنسان ومن إنسان إلى حياة , وواقع إلى سيرورتهم في صيرورته ثنائية عقل ووجدان لأن الأدب يصور الفكر في حياة الإنسان , والقصة تصور الإنسان في حياته ضمن وعي الأدب عبر صناعة فن الكتابة لتأتي القراءة صدى مكملاً فهي جزء من النص لأنها مسجلة فيه – أيا كانت دلالة النص – أجناساً أدبية أم أشكالاً تعبيرية . وكثيراً ما استوقفتنا أعمال أدبية , وقد تحلقنا حول مواقدها ننعم بدفء فِكرها وجمال إشراقاتها وقد مُهرت بأسماء مستعارة من غير أن تغادر قيمة الأثر الأدبي والفني فيها لأنه غاية نفسه دلالة كما في رواية ” زينب ” \ فلاح مصري \ لتعرف لاحقاً أنها : لمحمد حسين هيكل , وكذلك في حكايات ألف ليلة وليلة من غير إشارة إلى مبدع بعينه لتكون سرح الحياة في عقول حيثياتها سابقاً وزحام تداخل لأبيات شعرية , عميقة الأثر , لأكثر من نسب إلى شاعر . ومقدمات يتنازعها أكثر من أديب ومترجم كما في ” اذكريني ” التي ترجمها إلياس أو نقولا فياض فكل منهما نشرها مقدمة في ديوانه أو على مستوى الفن السابع كما في فيلم ” اذكريني ” قصة وحوار يوسف السباعي الذي تنازع تكرار تمثيله أكثر من مرة ممثلون لنراه عند محمود ياسين ونجلاء فتحي ضمن أداء فني هائل مشبوب بالعاطفة المتقدة , والتجسيد لأدق التفاصيل وجداً , والتماهي بالقيمة الكلية لفكرة الفيلم معنى ودلالة ضمن تكاملية شجن فياض العاطفة رهيف الهمس والجمال .. ليبقى الأثر الفني حاضراً في العمل الفني فيلماً على تنوع مؤديه تمثيلاً في التكرار أدواراً . إن الأثر لأي أمر يكون ضارب الجذور في مهاد كل أديم على مدار تميزه معنى وصوغه مبنى وفرادة حيويته أداءً وتناغمه أنساقاً في مرتسم شموليته جامعاً بذلك وشائج أنساق حضوره تحقيقاً لمكانته في دلالة : ” غاية الأثر نفسه ” .

 نزار بدّور

المزيد...
آخر الأخبار