تحية الصباح … في موضوعة التّكريم ..

                                    

طرح  الفنّان المسرحي تمّام العواني، على صفحة التّواصل الاجتماعي، موضوعة تكريم الأحياء في مدينة حمص، وعدّد أسماءهم، وطالب بتكريمهم في حياتهم وليس يعد مماتهم، وفي طلبه إشارة إلى أنّ ما كان سائداً هو تكريم المكرَّم بعد وفاته، وفي ذلك من  الغُبن ما فيه، لأنّ من حقّ المُكرّم أن تدخل الفرحة إلى قلبه في حياته، ويرى نفسه في عيون أصدقائه ومُقدّري إبداعه، كما أنّ فيها رفضاً للسائد الذي أشرنا إليه، وما أدري لذلك سبباً عند مَن سبقونا إلا كوننا مشدودين بخيط خفيّ إلى ( تبجيل ) الأموات، حتى لكأنّ تلك القيمة لا تأخذ مدارها الصحيح إلاّ بعد الموت، وفي تغليب لفكرة الغياب على فاعليّة الحضور،

اسمحوا لي هنا بالاستطراد قليلا، في الكلام عن الفنّان المسرحي تمّام العواني، فقد مثّل العديد من الأدوار فأجاد، وتألّق في فنّ المونودراما، وهو فنّ بالغ الصعوبة لأنّ على الممثّل فيه أن يؤدّي عدّة أدوار، قد تكون متباينة أو متضاربة، ويأتي الانتقال مفاجئاً، وعليه فور الانتقال من دور شخصيّة سابقة إلى شخصيّة أخرى أن يجيد الدّور فيها وإلاّ هبط مستوى عطائه فيها، وهي أدوار مُتعبة، بل مُرهقة للصوت، وللجسد، وللروح، وفي تصوّري أنّ ممثّل المونودراما يحتاج إلى راحة طويلة هادئة بعد كلّ عرض يقدّمه.

لقد كرّمت بعض الجهات، او الجمعيات أسماء من هذه المدينة، ولا احتجاج على المبدأ، ولن أذكر جهة ما تعفّفا، ولكنّها كانت في ذلك مشدودة إلى منظور بالغ الضيق، ولا أريد التفصيل أكثر لكي لا أنكأ بعض الجراح، فهذه المدينة لكلّ أبنائها الذين تميّزوا في تقديم ما يُصنّف في خانة الابداع أو العطاء الممُيَّز، ومن أسف أنّ ذلك جاء في زمن كان يُعدّ فيه المعدّون سرّاً لإشعال الحريق الذي ضرب سوريّة، ولستُ أتّهم أحداً بالتّواطؤ، بيد أنّه جاء في زمن يفتح فرجة لتحميله ما قد لا يكون في نوايا مَن قام بذلك النّشاط.

في ذاكرتي أنّ أوّل تكريم لأديب حمصيّ، كُرِّم في حياته كان للقاص والمسرحي الكبير المرحوم مراد السباعي، وقد خرجت الفكرة من المكتب الفرعي لاتحاد كتاب العرب، وكنتُ أمينا لسرّه، وتوقّفنا أثناء مناقشة مفردات التكريم عند أنّ علينا  أن نكسر أن يكون التكريم كلمات تُلقى، ودرعاً رمزيّا، أو أيّة شارة أخرى، بل يجب أن نحوّلها إلى تأمين مبلغ يُقدّم للمكرَّم، ولمّا لم يكن اتحاد الكتاب العرب آنذاك يتبنّى مثل هذا الطرح، فقد قرّرنا الاتّصال ببعض الفعاليّات والشركات الأهليّة، والتي تسمح لها قوانينها بذلك، وتمكّنا من جمع مبلغ لابأس بقيمته الشرائيّة في ذلك الحين، وقُدّمت في مهرجان التكريم إحدى مسرحيّات الأستاذ السباعي، وصعد إلى المسرح من جديد، بعد غياب طويل الممثّل المشهور في حمص المرحوم ماهر عيون السود، وكان احتفالا وتكريماً على مسرح دار الثقافة غصّت به الصالة بالحضور، وكان لنادي دوحة الميماس الذي رأسه المكرَّم ذات عام دوراً مميَّزاً،

إنّ في حمص من المبدعين في فنون الأدب والمسرح والفنّ التشكيلي والموسيقا والغناء العديد من الأسماء، ومعظمهم جدير بالتكريم، إمّا لإبداعه، أو لريادته، وفيما أعلم أنّه كُرّم معظمهم إن لم يكن كلّهم، في أسابيع الثقافة التي عرفتْ تألّقها النّادر منذ منتصف الثمانينات حتى النصًف الأوّل من تسعينات القرن الماضي، فلتكنْ وجهة المهتمّين والقادرين على فعل ذلك منصبّة على الأحياء، لننتقل من فضاء الرّاحلين إلى فضاء مَن يدرجون بيننا، وعسى أن تُلاقي مثل الدعوة التي دعا إليها الفنان المسرحي تمّام العواني آذاناً صاغية، وتتلقّفها عقول العاملين في هذا الحقل، فتشترك بذلك أكثر من جهة، ومن المفيد أن نعود إلى إشراك جهات ( أهليّة)، وهيئات غير رسميّة…

عبد الكريم النّاعم…

aaalnaem@gmail.com

 

 

المزيد...
آخر الأخبار