تحية الصباح … لنا الله..

 تفرح حين يتحقق حلمك .. لكن لكل فرح نهاية .. كما أن لكل أجل كتاب !! أول الفرح .. حين تحصل على وظيفة في الدولة .. ما يعني الأمان لمستقبل قادم .. منتهى حلم البسطاء !! أن تأكل لقمة عيشك النظيفة حتى لو دفعت ثمنها في نهاية الشهر .. حين تقبض راتبك .. أن تلبس ثوبا أنيقا بالتقسيط .. حلم البسطاء !! لن أنسى ما حييت أول يوم لي في الدوام الرسمي .. وبعد انتهاء وقت العمل , وخروجي من مبنى جريدة العروبة بحمص .. يومها .. لم أستطع دخول بيتي .. أردت أن أمشي في الشوارع , أن أنعم بحريتي بعد ساعات عمل متتالية في غرفة , وخلف طاولة محددة .. هو سجن بالنسبة لقادم جديد , ثم يتحول إلى بيت , ومأوى , وسكينة للروح , وربما سعادة , ومتعة بالعمل لمحب , وهو سد لفراغ , أو انشغال قاتل للنفس .. لكل أسبابه , والوقت غال , أو رخيص .. بالنسبة لي .. الوقت غال منذ عرفت طعم الحياة .. لا وقت أضيعه .. وتمر السنون . أجمل الأوقات حين تعمل بإتقان .. والأجمل حين تجد صدى لعملك .. نتيجة لتعبك .. في طرطوس .. ولسنوات طوال وكمسؤولة عن مكتب جريدة الوحدة , ودونما تخطيط .. كان العمل الصحفي رغم بريقه يصطدم بمعوقات .. وأخيرا .. نهاية الخدمة .. – يضحك – مجلجلا – وهو يقول بصوت مرتفع : قال رح تتقاعدي !! ويعيد , ويكرر كببغاء مرح !! قلت : نحن السابقون .. كانت هذه أول ردة فعل لزميل لي من اللاذقية – مركز الجريدة الأول – لا أعرفه إلا عبر هاتف العمل !! لا أحد يسألك ما هو شعورك , وأنت تغادر بيتك الثاني , وربما الأول بالنسبة لك .. الكل يسأل : من سيأتي بعدك .. هذا هو الأهم بالنسبة لهم – باعتبار أنني أتصدر الموقع ..!! باختصار .. إذا أردت أن أحصي نتاج عملي الطويل فلن أقدر .. كل ما يمكن أن أؤكده أنني عملت بضمير ..وغالبا ً .. لم أحصل على حقي كاملا ً.

 إذا أردت أن تعرف ما يعني عمل الصحفي .. عليك أن تجرب , ولو لمرة واحدة اللحاق بوفد رسمي قادم إلى مدينتك بمهمة عمل , وتتابع ما يعمله .. ما يقول المسؤولون خلاله , وما يجري .. ثم تعود إلى كتابة ما تم بدقة , وعبر التصاريح الرسمية , وبمسؤولية ليخرج من بين يديك خبر , أو تقرير إخباري لا يقدر بثمن بالنسبة لك .. وحسب جهدك .. لكنه يقابل بعدد قراءة بسيط , وانتقادات لاذعة من خبير مثقف !! وقد ينشر , أو لا حسب أولويات , ومناهج .. لكنه – والحق يقال – قد يدرج في جدول أعمالك !! أن تحضر نشاطا فنيا , أو ثقافيا , تتابعه بمهنية لا كمتفرج فقط .. ثم تكتب …حين تنهي ما كتبت تشعر بسعادة لا تضاهيها سعادة .. وحين ينشر ما كتبت على ورق الجريدة التي كانت توزع في المكتبات , والأماكن الراغبة تشعر بروعة الحدث .. لكن حين تتوقف الصحف عن الصدور , وتصبح كاتبا عبر موقع الكتروني كنافذة على شبكة التواصل الاجتماعي أو غيرها .. ولا أحد يقرأ إلا من يهمه الأمر ..وقتها .. لا قيمة لعملك , لوجودك .. ولا ضير أن تخرج إلى التقاعد بفرح رغم الهمة , وحب العمل .. ويفضل أن تترك أحلامك على ورق المسودة دون حاجة لتبييض .. المهم أن راتبك بعد أكثر من ثلاثين سنة في العمل لا يغطي أكثر من نصف أجر بيتك المتواضع الذي تسكن !! من هنا , ولذلك .. فقد كثر المتسولون في شوارعنا , والمرتزقة في كل مكان , واللصوص تحت أجنحة الظلام !! ولنا الله .

 سعاد سليمان

المزيد...
آخر الأخبار