في مناسباتنا الوطنية والقومية ، وفي حياتنا الثقافية بشكل عام يتبوأ الشعر عرش الكلام ، وإلى زمن قادم سنظل نقول (الشعر ديوان العرب ).. ونكرر العبارة .. غير أن الروائي الكبير الراحل حنا مينه أطلق عبارته ( ستكون الرواية ديوان العرب ) ولعل الرواية بدأت تحتل مكانها .. ولكن لا يزال الشعر يتسيد المشهد الثقافي في الوطن العربي ، على العكس من الغرب وأمريكا حيث الرواية تتصدر المشهد الأدبي .
ثمة قصائد قديمة أو حديثة لا تزال في الذاكرة وهي تؤرخ أكثر من كتابات المؤرخين لحدث ما أو شخص ما .ومثال ذلك قصيدة / فتح عمورية / لأبي تمام والتي تخلد انتصار المعتصم الخليفة العباسي ، في انتصاره على الروم.
وثمة قصيدة معاصرة تفخر بدمشق لا نزال نرددها كباراً وصغاراً ، للمرحوم الجواهري وهي قصيدة / دمشق ياجبهة المجد/ ومطلعها :
/ شممت تربك لازلفى ولا ملقا
وسرت قصدك لاخباً ولا مزقا /
اليوم لدينا ما شاء الله أكثر من ثلاثمائة شاعر وشاعرة في محافظة حمص وحدها ، ومن حق هؤلاء أن يلقوا نتاجهم ونتاجهن .. وعندنا ملتقيات ومنتديات ثقافية أهلية لها نشاطها الأسبوعي أو النصف الشهري ..وعندنا مؤسسات ثقافية رسمية أو شبه رسمية ترحب بمن لديه موهبة ونتاج جيد ( أو غير جيد أحياناً) ليعرض هذا النتاج على الجمهور ..!! وهنا نذكر المراكز الثقافية وفي حمص عشرون مركزاً ثقافياً مدينة ريفا ، لا تزال تمارس عملها ، مثل هذا العدد من المراكز بانتظار الترميم بعدما أصابها من دمار بفعل الإرهاب اللعين والمؤامرة الكونية على بلدنا .. فقد كانت المراكز الثقافية مثلها مثل محطات الكهرباء والمدارس والمشافي أول أهداف الإرهابيين بتعليمات من مشغليهم أعداء سورية و الإنسانية .
هل ثمة فوضى ثقافية عندنا ؟! الجواب نعم .. هناك فوضى ثقافية نبررها بالحماس ، حماس الشباب والشابات للصعود إلى المنابر.. لكن علينا أن نقدم الجيد ثم الأقل جودة بعض الشيء تشجيعاً لهؤلاء ونبتعد عن تقديم ما ليس فيه موهبة وليس فيه لغة صحيحة سليمة فثمة ( شعراء وشاعرات ) بين قوسين – لا يميزون المفعول به من الفاعل ولا اسم كان من خبرها ولم يسمعوا بالمتنبي ولا بأبي تمام ولا بالجواهري وبدوي الجبل .. ولا بالخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم العروض .. وهم ينظمون كما يقول / قصيدة النثر /… و لا يعرفون أن قصيدة النثر أصعب من قصيدة الوزن العمودية .. و هي تحتاج إلى موهبة كبيرة و تمكن من اللغة و الإعراب و الصور البيانية و البلاغة و ليس كلاماً مصفوفاً يحطم اللغة و قواعدها و يعبث بالمفردات .. و كان المرحوم الشاعر أحمد الجندي يدلل على هشاشة و فساد ذوق هؤلاء و من يشجعهم بأن يرد مقطعاً من قصيدة ” نثر ” تقول :
حبيبتي تدور في مدار إهليجي
و أنا أدور وراءها علني
امسك بها .. تدور و أدور
فمتى تتوقف كي ألحقها
و ثمة قصيدة نثر أخرى تقول :
انتظرتك يا حبيبي الشهر الماضي
و لم تأت انتظرتك البارحة و لم تأت
فمتى تأتي ؟!!
الموهبة الشعرية تحتاج إلى صقل و مطالعة ممتعة و من حق أصحابها توفير منابر لهم .. و الذي ليس لديه أية موهبة و لا يعرف قواعد اللغة علينا أن نعتذر منه أو منها بوضوح .. لاتعبثوا باللغة رجاء !!!
عيسى إسماعيل