نوافذ تقرأ في عيني المدى أنفاس الربا , وشهقات مساكب الأزهار , وتنهدات متاعب الأسى في مآقي الدّنا .. تقرأ همس حروف باكرها الصباح فتراءت في أكمام الكلمات حبات ندى , يمر بها الفجر الندي بوح صمت مهذّب شفيف يلامس رحابه السّراب لآفاق وآفاق فترتسم ابتسامة على شفة ذاك البعيد أفقاً لتوقع الشمس خيوطها شرانق من حرير على وجنات الحقول والسهول ومطالع السفوح , مداه حيث الذرا , وما بين مدى ومدى تنهض العصافير بزمزماتها تملأ الحياة غنى , وعلى سفر ما بين أماليد من أغصان ومتسع كروم وباسقات شجر ورائعات شرفات رسمت تخوم التضاريس أفانينها راحت تلك الزمزمات تشدو فرح النوافذ عشق ترانيم يتقاسمها سماع في تناغم صداح لأطيار وامتلاء مشاهد من تعاضد بصر لبصيرة فمهاد العذوبة ارتعاشات أحاسيس تقصها حبيبات الماء طرداً لغبار نعاس , وسقيا لفتنة دهش أخاذ يزدان لوحات على مشهدية منازل تجيد بلاغة العراقة في مكين كل جمال يسرح في دنياه خاطر يحكي راحلات السنين حكايات الآباء والأجداد , وحمية الكد في دروب الكدح , وشقاء الأعمار في أكف دونت أناملها على سطور الزمان , ما غضنته الحياة كلمات , مدادها حبات عرق ونبالة نجيع قلوب في سمو شرف رفيع لدنيا التجذر في أمانة الانتماء , وسعادة الرؤى في مساكب الآمال ورائعات الأحلام الطالعة صوب كل رجاء . نوافذ الصباح كرم ضيافة للروح هدوة سكينة في طمأنينة كل وجد و إعمال كل تفكير راق تسمو في أنفاسه جماليات الثواني في مسارات الأيام وعلى فيروزيات الأغاني ومعلقات الفن قصائد , والشآميات فيها مذهبات مطرزات من عبقريات تتبدى صوغاً لمحتوى ساحر البهاء وتحضر نبوغاً في ألحان , وصلاة في دنيا على سرح أذن الجوزاء تهجّد غنى إلى حيث ارتشاف قهوة يميس بها فنجان على سرديات الدِّلال , ورائحة الماضي شميم شيح وقيصوم وعوالم من سُمر الخيام والنافحات أصالة في كل وجدان , وريادة كل عقل في متسع الحب والمحبة ورقي الحكمة وبيان الجمال فصاحة التآخي نضارة صروح في مكامن كل عمران و إنجاز , وحذاقة عمارة في كياسة ألق تجود به نفوس غنية بممراح سعتها وعياً لمعنى الحضور في دنيا الحياة زمالة مصير , ورجاحة عقل في سداد كل مقاربة , هي غراس أفكار في منابت كل إبداع . إنها نوافذ الصباح التي تقرأ , فتتقرى بلحاظ نظراتك سرح الأفق البعيد , وقد نهضت في خاطرك شقاوة مشاكسة لطفولة على أقدام البراءة , وهي أنك إلى هاتيك الآفاق واصل قاب قوسين من ثوانٍ لا أكثر .. هي نشوة الحياة في رغائب المنى , وقد أعيت شهامتها أقدار السنين , و أنت الغائر اغتباطاً في ومضة مغازلة ما بين هضبة تعلوها أوراد وطود يحاور طوداً في قمته تشاغل علو على علو وثمة زرقة في دثار سماء . وهي نوافذ الصباح تقرأ بعض سحب هاربات من عقال شتاء استتبعه ربيع لكأنها في خفر وهي تجر أذيالها تعب برودة تحد من أمنيات إرهاصات صيف يا لها من نوافذ تفتح ذراعيها فيتسع المكان لأهل و أحباب ووشوشات نجوى في خفايا الحنايا والضلوع سكنى ذكريات زماناً ! وما أغلاها وهي تحط رحلها في شغاف الخيال أبهاء صعد لمطارح غالبتها مثخنات الجراح !. وما أجملها نوافذ الصباح تقرأ نسج الحقول عرائش كروم ودوالي أعناب وأزرار ياسمين على مرتسمات الحقول ومصاطب الزروع كتبتها , رسماً أنامل على دفاتر الأيام وتعاقب السنين فيهزج لها الخيّران: أرض ببذار وبيدر بأكوام زروع فدنيا قطاف! هي نوافذ الصباح تصغي بشفيف رهافة زجاجها إلى أصوات الحياة ما بين مد وجزر ما بين نوافذ الروح ونوافذ إطلالتها تعاقب أصباح فيُثرى الفراغ ألحاناً تشد الجهات الأربع زهو انتباه مضفورة إلى مرابطها لكأنها صهيل جياد في ساحات وغى فينثر النهار مفاتيحه تفاصيل عمل وتنوع جهد في غمار سعي يؤكد موطأ قدم في حكاية أعمار وهو يذرع فناء الدروب خائضاً في يقظة التأويل واجتهاد التفسير لافظاً كل فظ وخطل تجافيه الحياة , راغباً بكل نفس هي واحة ثقة في بنائية كل نبل تشرق بها وجوه كريمة , بشاشتها نسغ جذور تتوسد كل أصالة في وعي القيم و أنساق الحق والخير والجمال . إنها نوافذ الصباح تقرأ ذواتنا في مرايا أوسع من خيال , وأعمق من تفكير وهي الطافحة في سلوكاتنا ضيوفاً على هذه الأرض الطيبة دلالة عنوانات في كتاب الحياة ما أروعها نوافذ الصباح غنائية قلب لقلب وتماهي نبوغ في معيارية وجود يلوح بألف وردة عبر شرفات نوافذها أصباح نباريسها بيارق من أقدار جميلة !
نزار بدّور