دخل صديقي، وبعد تردّد قال:” يُخامرني سؤال مصيريّ، رغم ما يحاصرنا من مفردات الحياة، ومن صعوبة الحصول على اللّقمة”
قلت:” تفضّل “
قال:” تتردّد في أدبيّات المقاومة، مقولة إنّ الكيان الإسرائيلي إلى زوال، فهل تعتقد ذلك، على الرّغم ممّا هي عليه من جبروت عسكريّ، ودعم غربيّ متصهين، وهو دعم لامحدود، يبلغ حدّ أنّ الغرب لن يسمح بشيء من هذا ؟!
قلت:” سؤال مهمّ، وسأبسط لك وجهة نظري، وبظنّي أنّها تمثّل آراء شرائح مهمّة من الذين يتبنّون هذا الرأي
الجبروت العسكريّ الصهيوني وصل في بعض مراحله إلى ذروة ماأظنّ أنّه قادر على الوصول إليها الآن، فبعد هزيمة العرب في حرب حزيران 1967جلس وزير الحرب الإسرائيلي موشي دايان وراء مكتبه بانتظار ان يتّصل به المعنيّون بتلك الحرب ليعلنوا موافقتهم على ماتريده إسرائيل، وهاقد مضى على ذلك قرابة نصف قرن ولم يتحقّق له ماأراده من تلك الحرب،
بعد حرب تشرين 1973 التي اغتال نتائجها السادات، واستكملت بعض أوراقها في اتفاقيّة أوسلو، وقفت سوريّة بمن ساندها من فصائل المقاومة، وأصرّت على متابعة المسيرة.
عام 2006 في حرب العدو الإسرائيلي ضدّ المقاومة في لبنان تكشّفت المعركة عن أنّ الدبابة الاسرائيليّة، الأكثر تحصينا في العالم قابلة لأن تحترق ، وتُذلّ، كما أثبتت أنّ الطيران وحده لا يحسم معركة، وواجه المستوطنون الإسرائيليون خطر سقوط الصواريخ عليهم .
لقد راهن قادة صهاينة من مؤسّسي هذا الكيان على أنّ الجيل الثالث للفلسطينيّين سوف ينسى ، وهانحن أمام الجيل السادس، وليس حماس أبناء الداخل لكسر ذلك المشروع بأقلّ من حماس أبناء مخيّمات اللجوء.
إنّ رؤية أنّ هذا الكيان قابل للزوال، ليست شعارا مجرّدا، بل هي مبنيّة على معطيات عميقة النّظر، فهذا الكيان قائم بما استطاع أن يمكّن فيه نفسه ، وبما يعتمد عليه من مساندة من دول الغرب المتصهينة، وعلى رأس القائمة واشنطن بما هي عليه، وبما تنزع إليه، وهي ظاهرة امبراطوريّة بكلّ معنى الكلام، فهي غنيّة، ومسلّحة، ولديها من الاقتصاد مايجعلها في رأس القائمة، والامبراطوريات ياصديقي لاتدوم إلى أبد الآبدين، والتاريخ يؤكّد ذلك، وإلاّ أين إمبراطورية الاسكندر، وإمبراطورية روما؟!! هذه الامبراطوريّة الأمريكية الشريرة بدأت تواجه مسألة نفوذها على العالم منذ أن استعادت روسيا حضورها القويّ بقيادة بوتين، وترافق مع ذلك ماوصلت إليه الصين من قوّة، ونفوذ ناعم، حتى أنّ مابينها وبين واشنطن يصل درجة التحارب الاقتصادي، فماذا يعني انكماش المدّ الامبراطوري الأمريكي، ؟ إنّه يعني أن الجدار الذي يستند إليه ذلك الكيان لن يظلّ كما هو، وهذا بحدّ ذاته أحد المؤشّرات.
لننظر الآن، على الرغم ممّا حلّ بوطننا من خراب وتدمير، والذي كان هدفه الأساس تمكين الكيان الإسرائيلي من بعثرة المنطقة إلى دويلات طائفيّة واثنيّة، فماذا نرى على مستوى المواجهة؟
الآن، محور المقاومة أقوى من أيّ وقت مضى، هذا يجري رغم الدّمار والتخريب، ولأوّل مرة يواجه ذلك الكيان أنّ جميع نقاط فلسطين المحتلّة يمكن أن تصلها صواريخ الجانب الآخر، فهل الكيان الصهيوني قادر على مواجهة حرب طويلة الأمد؟!!، ثمّة مَن يرى أنّ الذين هاجروا إلى الكيان، قادمين من أوروبا وأمريكا، جاؤوا ليعيشوا في أرض المَنّ والسّلوى، لا في أرض مهدّدة بطوفان من الصواريخ، وأنت تعلم أنّ الخضّات التي أصابت ذلك الكيان زادت في نسبة النّزوح منه.
إنّ إيقاف هذا الكيان عن التمدّد المادي والمعنوي، ومحاصرته،.. وها أنت ترى كيف يُحاصر نفسه بإقامة الجدران،.. هذه المحاصرة تعني بدء تآكله، فإذا أصاب الانكسار الامبراطوريّة الأمريكيّة سينهار هذا الكيان.
بهذه المعاني يمكن القول نعم إنّ هذا الكيان إلى زوال، والمسألة مسألة وقت، وأذكّرك أنّ غزوات الفرنج في القرون الوسطى قد أقامت ممالك، وإمارات فوق هذه الأرض، دامت مائة وسبعين عاماً ثمّ اقتُلعت، وها هي الأمور تتكشّف أكثر في المعركة الأخيرة ضدّ أهلنا في غزّة حيث وصلت صواريخ المقاومة حتى تل أبيب، فهل يستطيع المستوطن الإسرائيلي أن يصبر على الإقامة الطويلة في الملاجئ؟!! …
عبد الكريم النّاعم