تحية الصباح ..لماذا تسرقين الشمس ؟!

قبل ثلاثين سنة …

كان وجهها مشرقاً ، وخصلات شعرها تتراقص , وخيّل إليه أن الشمس أعطتها بعضاً من إشراقها ونورها . لكن الشمس هل تمنح نورها لأحدٍ دون غيره ؟ بل ربما تعطي الجميلات ، والجميلات فقط بعضاً من توهجها , قال في نفسه وهو يحدّق في وجهها كأنما يراها للمرة الأولى .

كان فمها وردياً ترتسم ابتسامة ساحرة على وجهها المدوّر كرغيف خبز ناضج خارجٍ لتوه من التنور . كانت ” أميرة ” الصبايا ، كما يقولون عنها , وكان في مثل عمرها , تهب الحرائق في القلب ، وتهتز الروح وتتوثب . لكن ثمة خوف وارتباك يحدّق في عينيها ، ثم يشيح بوجهه ولكنه يعود للنظر إلى وجهها .. ثمة سحر وبهاء وشهد …..!!

/ أيتها المتوجة بغيمة عطر وبقطعة من الشمس , سأهرب بناظري بعيداً عنك ..وسأحكي الحكاية عندما كان بيننا نظر وإعجاب وحبّ لم نعلن عنه بكلمة …!!.نعم كنت وكنت وكنا .. ولكن الأفعال الناقصة تذبحني .. وأنت تنتظرين البوح بكلمة لم تأت … قد لا نلتقي بعد هذه الساعة , أعرف .. ستذهبين بعيداً عن عالمي إلى عالم آخر …لكن تذكري أنني صريعك إلى آخر الدهور ..!!/ الخاطبون كثر, الإغراءات كثيرة , وأنا ليس معي / عقد على نقد / سوى الكلام .. الذي خانني في لحظة الحاجة إليه …
كل يوم أراك بقامتك الميّادة ، نخلة باسقة فارعة ، حنطية اللون ..تطلعين من جفن الشمس ، والخدّان جمام ورد ، والثريا فوق الجبين …!!.
بعد ثلاثين سنة…

/ هذه المرأة الخمسينية كأني أعرفها . نعم إنها هي . ثلاثون باعدت بيننا يتمسك بها طفل صغير … إنها هي .. وهو حفيدها …!!.
ياه .. كم الأيام تمر بسرعة …!
يتقدم منها , يلقي التحية , تتفرس فيه .. ترد ببرودة . ينطلق شعاعان من الفرح من عينيها الذابلتين …/ أنت فلانة … أعرفك ولو غبت ألف سنة ..!!/.

-/ وأنت فلان أعرفك .. ولو غبت عني مليون سنة … ياه .. لا تزال شاباً .. أما أنا .. كم غيرني الزمن ..!! صرت جدة كما ترى ..!!/.

-/ حسناً فعلت عندما غادرتني دون رجعة … لقد فرقتنا الأيام أنت إلى زوج وبيت وأسرة .. وأنا إلى عزلة ورتابة … وبعدك .. لم أفكر بامرأة .. لقد ذبحتني .. لم أعثر على واحدةٍ تضاهيك .. أو تقترب من صفاتك …!!/
يأتي السرفيس .. تتركه .. مودعة…!!.
ثمة دموع تتجمع في عينيه ، وثمة غشاوة تمنعه من أن يرى أمامه . يكاد يقع من فرط التأثر … لكنه رآها ، ربما للمرة الأخيرة في عمره الهارب نحو اللاشيء…!! الآلام تحتشد في نفسه , حزن يهد الجبال …!!.
ثمة صوت من أعماقه يهزه يقول له / اخس .. تبكي امرأة لم تجهد في الفوز بها ، فأصابها القنوط منك ، فراحت إلى غير موضع … .. كن رجلاً !!/. ولكن هل بقي عندي قوة … ياه .. دموع ساخنة كالجمر …
يتحرك نحو الحافلة ببطء … يبحث عنها .. لقد راحت حافلتها … يتمتم / ليت الزمن يعود ثلاثين سنة إلى الوراء … لكنت صرخت / إنني أحبك .. يا سارقة نور الشمس .. أنت يا بنة الشمس / .. لكن الزمن يهزأ بالمترددين والكسالى لأنه ليس لهم!.

عيسى إسماعيل

   

المزيد...
آخر الأخبار